فمنهم مَن قال: لا ينتفيان؛ لأن العلّة المقصورة على الأصل لا تمنع رد الفرع إِذا كانت هناك علّة أخرى تقتضي الرد، كما أن العموم الشامل لما به شيء لا يمنع من شمول غير ذلك لألف شيء، ولا ينافيه.
ومنهم مَن قال: إنهما يتنافيان، قاله القاضي الجليل، وإلى هذا ذهب في المعنى.
لأن ما تبينّا فله الحكم في الأصل.
إما أن تكون العلة المقصورة عليه أو المتعدية، فإن كانت المتعدية هي الصحيحة صحّ القياس على الأصل، وإن تكن المقصورة هي الصحيحة امتنع القياس عليه؛ لأنها مقيدة نحو تعليل الذَّهب بالورق الذي لا يتعدى، ويكون ثمنًا لا يتعدى، وما شبه ذلك، وهذه المسألة من فروع ما تقدم من أن العلة إذا لم تتعدَّ هل تصح أم لا تَصحُّ؟ فيجب بناؤها، واللَّه أعلم.
بَابُ الْقَوْلِ في الْعِلَّتَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ فُرُوعًا مِنَ الأُخْرَى
قال القاضي الجليل: وأما تعليل الأصل بعلَّة توجد في عشرة فروع، وتعليله بعلة توجد فيه، وفي واحد من تلك الفروع، فأنا أقول فيه أيضًا: إنهما يتنافيان في المعنى، وإن كان بعض من يمتنع من القول بالقياس لا يمتنع ها هنا ويقول: إنهما لا يتنافيان، ووجه التنافي فيهما هو أن الأصْلِ إِذا عُلّل بعلّة تتعدَّى إِلى عشرة فروع، فليس يُعْلَم أن هذه هي العلة إِلا بعد أن يُسْتَبْرَأ الأصل، وَيُسْتَبْرَأ جميع ما يصلح أن يكون علة له، فإن قَصَدَ جميعها، وصحت هي، وسلمت، فسارت في التقدير علة.
وكأن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قال: حرمت ذلك لهذه العلة دون ما سواها، فتبطل كل علة سوى العلة التي يثبت أن الحكم لأجلها وجب.
فإن قيل: يجوز أن يُسْتَبْرَأ الأصل، فيعلم أنه معلوم لعلتين: إحداهما: تتعدى إِلى شيء، والأخرى: تتعدى إلى غير ذلك الشيء، وإلى ما زاد عليه.
قيل: هما كالعلة التي لا تتعدى مع المتعدية؛ لأن العلة التي لا تتعدى إلى عشرة فروع يتبين بها أن الأصل يقاس عليه عشرة فروع، والعلة الأخرى كشفت لنا أنَّ هذا الأصل يقاس عليه ثمانية فروع لا تتعدى؛ لأن الأصل مما لا يجوز عليه القياس، وليس المنافي أكثر من العلتين يَصْطحِبان إِلى فروع، ثم تقف إحداهما عن تجاوزه