قال لي الأستاذ الجليل أبو سعيد بن لب حفظه الله سئلت عن قوله تعالى في سورة النساء " تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله ندخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها " الآية فجمع قوله " خالدين " وقال بعد " ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ندخله ناراً خالداً فيها " فأفرد قوله " خالداً ".
قال وأجبت أن الجنة لما كان لأهلها فيها اجتماعات، وليس فيها فرقة ولا توجد، جاء قوله " خالدين فيها " اعتباراً بالمعنى الحاصل في الجنة من الاجتماع. ولما كان أهل النار على الضد من هذا وكل واحد منهم في تابوت من نار، حتى يقول أحدهم إنه ليس في النار إلا هو جاء قوله " خالداً فيها " اعتباراً بهذا المعنى.
فعرضت على شيخي الإمام الأستاذ أبي عبد الله بن الفخار هذا السؤال فأجاب عنه بأنه تعالى ذكر في الأولى جنات متعددة لا جنة واحدة فقال " ندخله جنات " والضمير المنصوب في " ندخلهُ " وإن كان مجموعاً في المعنى فهو في اللفظ مفرد، والمفرد من حيث هو مفرد لا يصح أن يكون في جنات متعددة معاً، فجاء " خالدين " ليرفع ذلك الإيهام اللفظي، فهو اعتبار لفظي ومناسبة لفظية، وإن كان المعنى صحيحاً، وأما الآية الثانية فإنما فيها نار مفردة، فناسبها الإفراد في " خالداً ".
[إنشادة]
[لبي محمد بن حذلم]
أنشدني الفقيه الأديب البارع أبو محمد بن حذلم لنفسه بسيط
شأن المحبين في أشجانهم عجبٌ ... وحالتي بينهم في الحب أعجبها
قد كنت أبعث من ريح الصبا رسلاً ... تأتي فتطبع أشواقي وتلهبها
والآن أرسل دمعي إثرها ذرفاً ... فتلتظي نار وجدي حين أسكبها
فاعجب لنار اشتياق في الحشا وقعت ... والريح تذهبها والماء يلهبها
وأخذ هذا المعنى بتمامه من قطعة أنشدناها شيخنا القاضي أبو القاسم الشريف رحمة الله عليه أذكر الآن آخر بيت منها وهو بسيط
يا من رأى النار إن تطفا مخالفةً ... فبالرياح وإن توقد فبالماء
[إفادة]
[حوار بين المؤلف]
[وأحد اليهود في مسألة]
[خلق عيسى عليه السلام]
وقع يوماً بيني وبين بعض من يتعاطى النظر في العلم من اليهود كلام في بعض المسائل إلى أن أنجز الكلام إلى عيسى عليه السلام، فأخذ ينكر خلقه من غير أب ويقول وهل يكون شيء من غير مادة؟ فقلت له بديهة فيلزمك إذاً أن يكون العالم مخلوقاً من مادة وأنتم معشر اليهود لا تقولون بذلك، فأحد الأمرين لازم إما صحة خلق عيسى من غير أب وإما بطلان خلق العالم من غير مادة.
" فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ".
[إنشادة]
[لأبي عبد الله المسفر]
[عند توديع فاس]
حدثنا شيخنا الأستاذ العالم الناظر أبو علي الزواوي أكرمه الله قال قدم علينا شيخنا الإمام الشهير أبو عبد الله محمد بن يحيى الشهير بالمسفر على مدينة فاس في بعض الرسائل، فلما خرج بقصد الإياب شيعه جماعة من فقهائها وأدبائها وسألوه أن ينشدهم شيئاً من شعره فارتجل هذا البيت الفذ كامل
شرق لتجلو عن فؤادك ظلمةً ... فالشمس يذهب نورها بالمغرب
[إفادة]
[قواعد من علم البيان]
أفادني صاحبنا الفقيه الكاتب أبو عبد الله بن زمرك إثر إيابه إلى وطنه من رحلة العدوة في علم البيان فوائد، نذكر الآن منها ثلاثة إحداها الفقه في اللغة، وهو النظر في مواقع الألفاظ وأين أستعملتها العرب، ومن مثل هذا الوجه قولهم قرم وعام إذا اشتهى، لكن لا يستعمل قرم إلا مع اللحم ولا يستعمل عام إلا مع اللبن فنقول قرمت إلى اللحم وعمت إلى اللبن، وكذلك قولهم أصفر فاقع وأحمر قان، ولا يقال بالعكس، وهذا كثير.
والثانية تحري الألفاظ البعيدة عن طرفي الغرابة والابتذال، فلا يستعمل الحوشي من اللغات ولا المبتذل في ألسن العامة.
والثالثة اجتناب كل صيغة تخرج الذهن عن أصل المعنى أو تشوش عليه. إذ المقصود الوصول في بيان المعنى إلى أقصاه، والإتيان بما يحصله سريعاً ويمكنه في الذهن، وتحري كل صيغة تمكن المعنى في الذهن وتحرض السامع على الاستماع.
وأخبرني أن كتاب المغرب يحافظون في شعرهم وكتابتهم على طريقة العرب، ويذمون ما عداها من طرق المولدين، وإنها خارجة عن الفصاحة وهذه المعاني الثلاثة لا توجد إلا فيها.