حدثنا الأستاذ أبو علي الزواوي، قال لما رحل أبو العباس أحمد بن عمران اليانوي من بجاية إلى تلمسان تاجراً لم يلبث أن جاء إلى مجلس أبي زيد بن الإمام مشتملاً في زي التجار، فجلس حيث انتهى به المجلس، فألفاهم يتكلمون في كتاب أبي عمرو بن الحاجب الأصلي في قوله في حد العلم صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض فلما أتموا البحث فيه نادى أبو العباس يا سيدنا هذا الحد غير مانع، فإنه ينتقض عليه بالفصل والخاصة. فقال له أبو زيد عرفنا من أنت؟ فقال له محبكم أحمد بن عمران. فقال له نشتغل الآن بضيافتك وحينئذ يقع الجواب، فأنزله منزل الكرامة وسأله عن حاجته وسبب قدومه من بجاية، فأخبره بأنه أتى متجراً، فأخبر أبو زيد بذلك السلطان أباتاشفين سلطاننا في ذلك الزمان وعرفه به وأجل قدره، فرفع عنه السلطان كلف المغارم ووظائف السلع ونقد له إلى ذلك مائتي دينار من الذهب، ثم قال له أبو زيد إن خف عليك أن تسلم على أخي فعلت. فلبى دعوته وأتى معه إلى أخيه عيسى فلما رآه قال له سمعنا عنك أنك أوردت على الأخ سؤالاً ارتفع به شأنك، وحظي عند السلطان مكانك، فأورده علينا حتى نتكلم فيه، فقرره بين يديه، فقال له يا فقيه إنما قال ابن الحاجب توجب تمييزاً، والفصل والخاصة إنما توجبان تميزا لا تمييزاً، وهذا جوابك.
[إنشادة]
[لأبي جعفر بن عبد العظيم]
أنشدني الفقيه الأديب أبو جعفر بن عبد العظيم لنفسه سريع
حاذر طباع الصاحب السوء لا ... تغدو إلى طبعك أو تطرق
فالماء ضد النار لكنه ... يعود إن جاورها يحرق
[إفادة]
[سر جعل الكعبة]
[إلى جهة اليسار في الطواف]
حدثنا الأستاذ أبو عبد الله البلنسي قال حدثنا الأستاذ الخطيب أبو عبد الله محمد بن مرزوق قال سألت أبي رحمه الله ونحن نطوف بالبيت الحرام زاده الله تشريفاً فقلت له لم كان البيت يجعل في الطواف إلى جهة اليسار، ولم يجعل إلى جهة اليمين وهو أشرف؟ فقال لي سرها يا بني أن القلب على جهة اليسار فجعل الشق اليسار الذي هو محل القلب إلى جهة البيت ليكون أقرب موافقة لقوله تعالى " فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم " فقلت له إن الطبيعيين وأهل التشريح أطبقوا على أن محل القلب الحقيقي هو الوسط لا الجهة اليسرى ولا اليمنى، نعم وضع رأسه مائلاً ذات اليمين قليلاً وإبرته مائلة ذات اليسار قليلاً، ثم وقفت المسالة فأنهيتها إلى الفقيه الطبيب العارف أبي عبد الله الشقوري فقال لي ما قلت للأستاذ حق، إلا أني أقول الحكمة في ذلك وجهان.
أحدهما أن جهة اليمين أقوى من جهة اليسار، وذلك مشاهد، والطواف سير دوري، ولا شك أن أبعد الجهات إلى المركز الذي هو جهة البيت أقوى حركة من الجهة التي هي أقرب إليه فجعل الشق الأيمن الأقوى إلى الحيز الذي الحركة فيه أقوى، والشق الأيسر الأضعف إلى الحيز الذي الحركة فيه أضعف ليتعادلا.
الوجه الثاني أن جهة اليسار من القلب هي محل الروح ومنبعه، ومنه ينبعث في الشريان الأعظم المسمى بالأبهر إلى جميع الجسد، ولذلك نجد حركة النبض في الجهة اليسرى، والروح أشرف ما في الجسد فجعل ذلك الشق موالياً للبيت الشريف ليكون الإقبال على بيت الله بما هو أشرف.
[إنشادة]
[لأبي جعفر بن عبد العظيم]
أنشدني الفقيه الأديب أبو جعفر بن عبد العظيم في الرابع عشر لرمضان سنة تسع وخمسين وسبعمائة قطعة له:
تتوق إلى الراحات نفسي وإنني ... لأعصي هواها تارة وألومها
وتأبى سوى ما تشتهي فأطيعها ... وأعلم أني في رضاها ظلومها
[إفادة]
[شروط العالم]
كثيراً ما كنت أسمع الأستاذ أبا علي الزواوي يقول، قال بعض العقلاء لا يسمى العالم بعلم ما عالما بذلك العلم على الإطلاق، حتى تتوفر فيه أربعة شروط أحدها أن يكون قد أحاط علماً بأصول ذلك العلم على الكمال.
والثاني أن تكون له قدرة على العبارة عن ذلك العلم.
والثالث أن يكون عارفاً بما يلزم عنه.
والرابع أن تكون له قدرة على دفع الإشكالات الواردة على ذلك العلم.
قلت وهذه الشروط رأيتها منصوصة لأبي نصر محمد بن محمد الفارابي الفيلسوف في بعض كتبه.
[إنشادة]
لأبي جعفر بن عبد العظيم