فصل فِي صَلَاة الْمُسَافِر من حَيْثُ الْقصر وَالْجمع
الْمُخْتَص الْمُسَافِر بجوازهما تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لما يلْحقهُ من مشقة السّفر غَالِبا مَعَ كَيْفيَّة الصَّلَاة بِنَحْوِ الْمَطَر
وَالْأَصْل فِي الْقصر قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض}
قَالَ يعلى بن أُميَّة قلت لعمر إِنَّمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِن خِفْتُمْ} وَقد أَمن النَّاس فَقَالَ عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته رَوَاهُ مُسلم
وَالْأَصْل فِي الْجمع أَخْبَار تَأتي
وَلما كَانَ الْقصر أهم هَذِه الْأُمُور بَدَأَ المُصَنّف بِهِ كَغَيْرِهِ فَقَالَ (وَيجوز للْمُسَافِر) لغَرَض صَحِيح (قصر الصَّلَاة الرّبَاعِيّة) الْمَكْتُوبَة دون الثنائية والثلاثية (بِخمْس شَرَائِط) وَترك شُرُوطًا أُخْرَى سنتكلم عَلَيْهَا الأول (أَن يكون سَفَره فِي غير مَعْصِيّة) سَوَاء أَكَانَ وَاجِبا كسفر حج أَو مَنْدُوبًا كزيارة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مُبَاحا كسفر تِجَارَة أَو مَكْرُوها كسفر مُنْفَرد
وَأما العَاصِي بِسَفَرِهِ وَلَو فِي أَثْنَائِهِ كآبق وناشزة فَلَا يقصر لِأَن السّفر سَبَب للرخصة فَلَا يناط بالمعصية كَبَقِيَّة رخص السّفر نعم لَهُ بل عَلَيْهِ التَّيَمُّم مَعَ وجوب إِعَادَة مَا صلاه بِهِ على الْأَصَح كَمَا فِي الْمَجْمُوع فَإِن تَابَ فَأول سَفَره مَحل تَوْبَته فَإِن كَانَ طَويلا أَو لم يشْتَرط للرخصة طوله كَأَكْل الْميتَة للْمُضْطَر فِيهِ ترخص وَإِلَّا فَلَا
وَألْحق بسفر الْمعْصِيَة أَن يتعب نَفسه أَو دَابَّته بالركض بِلَا غَرَض شَرْعِي ذكره فِي الرَّوْضَة كَأَصْلِهَا
(و) الشَّرْط الثَّانِي (أَن تكون مسافته) أَي السّفر الْمُبَاح ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين ميلًا هاشمية ذَهَابًا وَهِي مرحلتان وهما سير يَوْمَيْنِ معتدلين بسير الأثقال وَهِي (سِتَّة عشر فرسخا) وَلَو قطع هَذِه الْمسَافَة فِي لَحْظَة فِي بر أَو بَحر فقد كَانَ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس يقصران ويفطران فِي أَرْبَعَة برد وَمثله إِنَّمَا يفعل عَن تَوْقِيف
وَخرج بذهاب الإياب مَعَه فَلَا يحْسب حَتَّى لَو قصد مَكَانا على مرحلة بنية أَن لَا يُقيم فِيهِ بل يرجع فَلَيْسَ لَهُ الْقصر وَإِن ناله مشقة مرحلَتَيْنِ متواليتين لِأَنَّهُ لَا يُسمى سفرا طَويلا وَالْغَالِب فِي الرُّخص الِاتِّبَاع والمسافة تَحْدِيد لَا تقريب لثُبُوت التَّقْدِير بالأميال عَن الصَّحَابَة وَلِأَن الْقصر على خلاف الأَصْل فيحتاط فِيهِ بتحقيق تَقْدِير الْمسَافَة والميل أَرْبَعَة آلَاف خطْوَة والخطوة ثَلَاثَة أَقْدَام وَالْقَدَمَانِ ذِرَاع والذراع أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أصبعا معترضات والأصبع سِتّ شعيرات معتدلات معترضات والشعيرة سِتّ شَعرَات من شعر البرذون
وَخرج بالهاشمية المنسوبة لبني هَاشم الأموية المنسوبة لبني أُميَّة فالمسافة بهَا أَرْبَعُونَ ميلًا إِذْ كل خَمْسَة مِنْهَا قدر سِتَّة هاشمية
(و) الشَّرْط الثَّالِث (أَن يكون مُؤديا للصَّلَاة) الْمَقْصُورَة فِي أحد أَوْقَاتهَا الْأَصْلِيّ أَو العذري أَو الضَّرُورِيّ فَلَا تقصر فَائِتَة