فصل فِي صَلَاة الْكُسُوف للشمس والخسوف للقمر
وَهَذَا هُوَ الْأَفْصَح كَمَا فِي الصِّحَاح وَيُقَال فيهمَا كسوفان وخسوفان
قَالَ عُلَمَاء الْهَيْئَة إِن كسوف الشَّمْس لَا حَقِيقَة لَهُ لعدم تغيرها فِي نَفسهَا لاستفادة ضوئها من جرمها وَإِنَّمَا الْقَمَر يحول بظلمته بَيْننَا وَبَينهَا مَعَ بَقَاء نورها فَيرى لون الْقَمَر كمدا فِي وَجه الشَّمْس فيظن ذهَاب ضوئها وَأما خُسُوف الْقَمَر فحقيقتة بذهاب ضوئه لِأَن ضوءه من ضوء الشَّمْس وكسوفه بحيلولة ظلّ الأَرْض بَين الشَّمْس وَبَينه فَلَا يبْقى فِيهِ ضوء الْبَتَّةَ
وَالْأَصْل فِي ذَلِك قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {لَا تسجدوا للشمس وَلَا للقمر واسجدوا لله} عِنْد كسوفهما وأخبار كَخَبَر مُسلم إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله لَا ينكسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فصلوا وَادعوا حَتَّى ينْكَشف مَا بكم
(وَصَلَاة الْكُسُوف) الشَّامِل الخسوف (سنة) للدليل الْمَذْكُور وَغَيره (مُؤَكدَة) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلهَا لكسوف الشَّمْس كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ولخسوف الْقَمَر كَمَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي كِتَابه عَن الثِّقَات وواظب عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا لم تجب لخَبر الصَّحِيحَيْنِ هَل عَليّ غَيرهَا أَي الْخمس قَالَ لَا إِلَّا أَن تطوع وَلِأَنَّهَا ذَات رُكُوع وَسُجُود لَا أَذَان لَهَا كَصَلَاة الاسْتِسْقَاء
وَأما قَول الشَّافِعِي فِي الْأُم لَا يجوز تَركهَا فَمَحْمُول على كَرَاهِيَة لتأكدها ليُوَافق كَلَامه فِي مَوَاضِع أخر وَالْمَكْرُوه قد يُوصف بِعَدَمِ الْجَوَاز من جِهَة إِطْلَاق الْجَائِز على مستوى الطَّرفَيْنِ (فَإِن فَاتَت) وفوات صَلَاة كسوف الشَّمْس بالإنجلاء وبغروبها كاسفة وفوات صَلَاة خُسُوف الْقَمَر بالإنجلاء وبطلوع الشَّمْس لَا بِطُلُوع الْفجْر (لم تقض) لزوَال الْمَعْنى الَّذِي لأَجله شرعت فَإِن حصل الإنجلاء أَو الْغُرُوب فِي الشَّمْس أَو طُلُوع الشَّمْس فِي الْقَمَر فِي أَثْنَائِهَا لم تبطل بِلَا خلاف
(وَيُصلي) الشَّخْص (لكسوف الشَّمْس وخسوف الْقَمَر رَكْعَتَيْنِ) فِي كل رَكْعَة ركوعان كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامه فَيحرم بنية صَلَاة الْكُسُوف وَيقْرَأ بعد الِافْتِتَاح والتعوذ الْفَاتِحَة ويركع ثمَّ يعتدل ثمَّ يقْرَأ الْفَاتِحَة ثَانِيًا ثمَّ يرْكَع ثَانِيًا ثمَّ يعتدل ثَانِيًا ثمَّ يسْجد السَّجْدَتَيْنِ وَيَأْتِي بالطمأنينة فِي محلهَا فَهَذِهِ رَكْعَة ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَة ثَانِيَة كَذَلِك لِلِاتِّبَاعِ
وَقَوْلهمْ إِن هَذَا أقلهَا أَي إِذا شرع فِيهَا بنية هَذِه الزِّيَادَة وَإِلَّا فَفِي الْمَجْمُوع عَن مُقْتَضى كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَو صلاهَا كَسنة الظّهْر صحت وَكَانَ تَارِكًا للأفضل وَيحمل على أَنه أقل الْكَمَال
وَلَا يجوز زِيَادَة رُكُوع ثَالِث فَأكْثر لطول مكث الْكُسُوف وَلَا يجوز إِسْقَاط رُكُوع للإنجلاء كَسَائِر الصَّلَوَات لَا يُزَاد على أَرْكَانهَا وَلَا ينقص مِنْهَا وَورد ثَلَاث ركوعات وَأَرْبع ركوعات فِي كل رَكْعَة
وَأجَاب الْجُمْهُور بِأَن أَحَادِيث الركوعين فِي الصَّحِيحَيْنِ فَهِيَ أشهر وَأَصَح فَقدمت على بَقِيَّة الرِّوَايَات وأكملها (فِي كل رَكْعَة قيامان) قبل السُّجُود (يُطِيل الْقِرَاءَة فيهمَا) فَيقْرَأ فِي الْقيام الأول كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم بعد الْفَاتِحَة وسوابقها من افْتِتَاح وتعوذ الْبَقَرَة بكمالها إِن أحْسنهَا وَإِلَّا فقدرها وَيقْرَأ فِي الْقيام الثَّانِي كمائتي آيَة مِنْهَا وَفِي الْقيام الثَّالِث كمائة وَخمسين مِنْهَا وَفِي الْقيام الرَّابِع كمائة آيَة مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيع
وَنَصّ فِي الْبُوَيْطِيّ أَنه يقْرَأ فِي الْقيام الثَّانِي آل عمرَان أَو قدرهَا وَفِي الثَّالِث النِّسَاء أَو قدرهَا وَفِي الرَّابِع الْمَائِدَة أَو قدرهَا والمحققون على أَنه لَيْسَ باخْتلَاف بل هُوَ للتقريب (وَفِي) كل رَكْعَة (ركوعان يُطِيل التَّسْبِيح فيهمَا) فيسبح فِي الرُّكُوع الأول من الركوعات الْأَرْبَعَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ قدر مائَة من الْبَقَرَة وَفِي الرُّكُوع الثَّانِي قدر ثَمَانِينَ مِنْهَا وَفِي الرُّكُوع الثَّالِث قدر سبعين مِنْهَا بِتَقْدِيم السِّين على الْمُوَحدَة كَمَا فِي الْمِنْهَاج خلافًا لما فِي التَّنْبِيه من تَقْدِيم الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة على السِّين وَفِي الرُّكُوع الرَّابِع قدر خمسين مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيع لثُبُوت التَّطْوِيل