فصل فِي الْإِقْرَار
وَهُوَ لُغَة الْإِثْبَات من قر الشَّيْء أذا ثَبت وَشرعا إِخْبَار الشَّخْص بِحَق عَلَيْهِ فَإِن كَانَ بِحَق لَهُ على غَيره فدعوى أَو لغيره على غَيره فشهادة
وَالْأَصْل فِيهِ قبل الْإِجْمَاع قَوْله تَعَالَى {أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري} أَي عهدي {قَالُوا أقررنا}
وَخبر الصَّحِيحَيْنِ اغْدُ يَا أنيس إِلَى امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها وأجمعت الْأمة على الْمُؤَاخَذَة بِهِ
أَرْكَان الْإِقْرَار وأركانه أَرْبَعَة مقرّ ومقر لَهُ وَصِيغَة ومقر بِهِ
القَوْل فِي أَنْوَاع الْمقر بِهِ (وَالْمقر بِهِ) من الْحُقُوق (ضَرْبَان) أَحدهمَا (حق الله تَعَالَى) وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى مَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ كَالزِّنَا وَشرب الْخمر وَقطع السّرقَة وَعَلِيهِ اقْتصر المُصَنّف وَإِلَى مَا لَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَة
(و) الثَّانِي (حق الْآدَمِيّ) كَحَد الْقَذْف لشخص (فَحق الله تَعَالَى) الَّذِي يسْقط بذلك إِذا أقرّ بِهِ
(يَصح الرُّجُوع فِيهِ عَن الْإِقْرَار بِهِ) لِأَن مبناه على الدرء والستر وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرض لما عز بِالرُّجُوعِ بقوله لَعَلَّك قبلت لَعَلَّك لمست أبك جُنُون وللقاضي أَن يعرض لَهُ بذلك لما ذكر وَلَا يَقُول لَهُ ارْجع فَيكون آمرا لَهُ بِالْكَذِبِ
وَخرج بِالْإِقْرَارِ مَا لَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَصح رُجُوعه كَمَا لَا يَصح رُجُوعه عَمَّا لَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ
(و) الضَّرْب الثَّانِي (حق الْآدَمِيّ) إِذا أقرّ بِهِ (لَا يَصح الرُّجُوع فِيهِ عَن الْإِقْرَار بِهِ) لتَعلق حق الْمقر لَهُ بِهِ إِلَّا إِذا كذبه الْمقر لَهُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوط الْمقر لَهُ
القَوْل فِي شُرُوط صِحَة الْإِقْرَار ثمَّ شرع فِي شُرُوط الْمقر فَقَالَ (وتفتقر صِحَة الْإِقْرَار) فِي الْمقر (إِلَى ثَلَاثَة شَرَائِط) الأول (الْبلُوغ) فَلَا يَصح إِقْرَار من هُوَ دون الْبلُوغ وَلَو كَانَ مُمَيّزا لرفع الْقَلَم عَنهُ فَإِن ادّعى بلوغا بإمناء مُمكن بِأَن اسْتكْمل تسع سِنِين صدق فِي ذَلِك وَلَا يحلف عَلَيْهِ وَإِن فرض ذَلِك فِي خُصُومَة بِبُطْلَان تصرفه مثلا لِأَن ذَلِك لَا يعرف إِلَّا مِنْهُ وَلِأَنَّهُ إِن كَانَ صَادِقا فَلَا يحْتَاج إِلَى يَمِين وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة فِيهَا لِأَن يَمِين الصَّغِير غير منعقدة
وَإِذا لم يحلف فَبلغ مبلغا يقطع فِيهَا بِبُلُوغِهِ قَالَ الإِمَام فَالظَّاهِر أَيْضا أَنه لَا يحلف لانْتِهَاء الْخُصُومَة وكالإمناء فِي ذَلِك الْحيض
(و) الثَّانِي (الْعقل) فَلَا يَصح إِقْرَار مَجْنُون ومغمى عَلَيْهِ وَمن زَالَ عقله بِعُذْر كشرب دَوَاء أَو إِكْرَاه على شرب خمر لِامْتِنَاع تصرفهم وَسَيَأْتِي حكم السَّكْرَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الطَّلَاق
(و) الثَّالِث (الِاخْتِيَار) فَلَا يَصح وَيُمكن إِقْرَار مكره بِمَا أكره عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} جعل الْإِكْرَاه مسْقطًا لحكم الْكفْر فبالأولى مَا عداهُ
وَصُورَة إكراهه أَن يضْرب لِيُقِر فَلَو ضرب ليصدق فِي الْقَضِيَّة فَأقر حَال الضَّرْب أَو