فصل فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ
وأخباره كَثِيرَة كَخَبَر ابْني خُزَيْمَة وحبان فِي صَحِيحهمَا عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن وللمقيم يَوْمًا وَلَيْلَة إِذا تطهر فَلبس خفيه أَن يمسح عَلَيْهِمَا
وروى ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ حَدثنِي سَبْعُونَ من الصَّحَابَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح على الْخُفَّيْنِ
وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين إِن قِرَاءَة الْجَرّ فِي قَوْله تَعَالَى {وأرجلكم} للمسح على الْخُفَّيْنِ
القَوْل فِي حكم الْمسْح (وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ جَائِز) فِي الْوضُوء بَدَلا عَن غسل الرجلَيْن فَالْوَاجِب على لابسه الْغسْل أَو الْمسْح وَالْغسْل أفضل كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة فِي آخر بَاب صَلَاة الْمُسَافِر
نعم إِن ترك الْمسْح رَغْبَة عَن السّنة أَو شكا فِي جَوَازه أَي لم تطمئِن نَفسه إِلَيْهِ لَا أَنه شكّ هَل يجوز لَهُ فعله أَو لَا أَو خَافَ فَوت الْجَمَاعَة أَو عَرَفَة أَو إنقاذ أَسِير أَو نَحْو ذَلِك
فالمسح أفضل بل يكره تَركه فِي الأولى وَكَذَا القَوْل فِي سَائِر الرُّخص واللائق فِي الْأَخِيرَتَيْنِ الْوُجُوب وَخرج بِالْوضُوءِ إِزَالَة النَّجَاسَة وَالْغسْل وَلَو مَنْدُوبًا فَلَا مسح فيهمَا وبالمسح على الْخُفَّيْنِ مسح خف رجل مَعَ غسل الْأُخْرَى فَلَا يجوز وللأقطع لبس خف فِي السالمة إِلَّا إِن بَقِي بعض المقطوعة فَلَا يَكْفِي ذَلِك حَتَّى يلبس ذَلِك الْبَعْض خفا وَلَو كَانَت إِحْدَى رجلَيْهِ عليلة لم يجز إلباس الْأُخْرَى الْخُف للمسح عَلَيْهِ إِذا يجب التَّيَمُّم عَن العليلة فَهِيَ كالصحيحة
القَوْل فِي شُرُوط الْمسْح وَإِنَّمَا يَصح الْمسْح هُنَا (بِثَلَاثَة شَرَائِط) وَترك رَابِعا كَمَا ستعرفه
الأول (أَن يبتدىء) مُرِيد الْمسْح على الْخُفَّيْنِ (لبسهما بعد كَمَال) أَي تَمام (الطَّهَارَة) من الحدثين للْحَدِيث السَّابِق فَلَو لبسهما قبل غسل رجلَيْهِ وغسلهما فِي الْخُفَّيْنِ لم يجز الْمسْح إِلَّا أَن ينزعهما من مَوضِع الْقدَم ثمَّ يدخلهما فِي الْخُفَّيْنِ
وَلَو أَدخل إِحْدَاهمَا بعد غسلهَا ثمَّ غسل الْأُخْرَى وأدخلها لم يجز الْمسْح إِلَّا أَن ينْزع الأولى من مَوضِع الْقدَم ثمَّ يدخلهَا فِي الْخُف وَلَو غسلهمَا فِي سَاق الْخُفَّيْنِ ثمَّ أدخلهما مَوضِع الْقدَم جَازَ الْمسْح وَلَو ابْتَدَأَ اللّبْس بعد غسلهمَا ثمَّ أحدث قبل وصولهما إِلَى مَوضِع الْقدَم لم يجز الْمسْح وَلَو كَانَ عَلَيْهِ الْحدثَان فَغسل أَعْضَاء الْوضُوء عَنْهُمَا وَلبس الْخُف قبل غسل بَاقِي بدنه لم يمسح عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لبسه قبل كَمَال الطَّهَارَة
فَإِن قيل لَفْظَة كَمَال لَا حَاجَة إِلَيْهَا لِأَن حَقِيقَة الطُّهْر أَن يكون كَامِلا وَلذَلِك اعْترض الرَّافِعِيّ على الْوَجِيز بِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى قيد التَّمام لِأَن من لم يغسل رجلَيْهِ أَو إِحْدَاهمَا يَنْتَظِم أَن يُقَال إِنَّه لَيْسَ على طهر
وَأجِيب بِأَن ذَلِك ذكر تَأْكِيدًا أَو لاحْتِمَال توهم إِرَادَة الْبَعْض
حَقِيقَة السّتْر فِي الْخُفَّيْنِ (و) الثَّانِي من الشُّرُوط (أَن يَكُونَا) أَي الخفان (ساترين لمحل غسل الْفَرْض من الْقَدَمَيْنِ) فِي الْوضُوء وَهُوَ الْقدَم بكعبيه من سَائِر الجوانب لَا من الْأَعْلَى فَلَو رئي الْقدَم من أَعْلَاهُ كَأَن كَانَ وَاسع الرَّأْس لم يضر عكس سَاتِر الْعَوْرَة فَإِنَّهُ من الْأَعْلَى والجوانب لَا من الْأَسْفَل لِأَن الْقَمِيص مثلا فِي ستر الْعَوْرَة يتَّخذ لستر أَعلَى الْبدن والخف يتَّخذ لستر أَسْفَل الرجل فَإِن قصر عَن مَحل الْفَرْض أَو كَانَ بِهِ تخرق فِي مَحل الْفَرْض ضرّ وَلَو تخرقت البطانة أَو الطَّهَارَة وَالْبَاقِي صفيق لم يضر وَإِلَّا ضرّ وَلَو تخرقتا من موضِعين غير متحاذيين لم يضر وَالْمرَاد بالستر هُنَا الْحَيْلُولَة لَا مَا يمْنَع الرُّؤْيَة فَيَكْفِي الشفاف عكس سَاتِر الْعَوْرَة لِأَن الْقَصْد هُنَا منع نُفُوذ المَاء وَثمّ منع الرُّؤْيَة
وَقَالَ فِي الْمَجْمُوع إِن الْمُعْتَبر فِي الْخُف عشر غسل الرجل بِسَبَب السَّاتِر وَقد حصل وَالْمَقْصُود بستر الْعَوْرَة سترهَا بجرم عَن الْعُيُون وَلم يحصل وَلَا يجزىء منسوج لَا يمْنَع نُفُوذ المَاء إِلَى الرجل من غير مَحل الخرز لَو صب عَلَيْهِ لعدم صفاقته لِأَن الْغَالِب من الْخفاف أَنَّهَا تمنع النّفُوذ فتنصرف إِلَيْهَا النُّصُوص
الدَّالَّة على الترخيص فَيبقى الْغسْل وَاجِبا فِيمَا عَداهَا