تَنْبِيه يُؤْخَذ من ذَلِك مَسْأَلَة كَثْرَة الْوُقُوع وَهِي أَن الْوَاقِف يقف كتبا ويشرط أَن لَا يخرج مِنْهَا كتاب من مَكَان يحبسها فِيهِ إِلَّا برهن وَذَلِكَ لَا يَصح كَمَا صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَإِن أفتى الْقفال بِخِلَافِهِ وَضعف بَعضهم مَا أفتى بِهِ الْقفال بِأَن الرَّاهِن أحد الْمُسْتَحقّين والراهن لَا يكون مُسْتَحقّا إِذْ الْمَقْصُود بِالرَّهْنِ الْوَفَاء من ثمن الْمَرْهُون عِنْد التّلف وَهَذَا الْمَوْقُوف لَو تلف بِغَيْر تعد وَلَا تَفْرِيط لم يضمن وعَلى إِلْغَاء الشَّرْط لَا يجوز إِخْرَاجه برهن وَلَا بِغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يخرج مُطلقًا
نعم إِن تعذر الِانْتِفَاع بِهِ فِي الْحل الْمَوْقُوف فِيهِ ووثق بِمن ينْتَفع بِهِ فِي غير ذَلِك الْمحل أَن يردهُ إِلَى مَحَله بعد قَضَاء حَاجته جَازَ إِخْرَاجه كَمَا أفتى بِهِ بعض الْمُتَأَخِّرين
وَيشْتَرط فِي الدّين الَّذِي يرْهن بِهِ ثَلَاثَة شُرُوط الأول كَونه ثَابتا فَلَا يَصح بِغَيْرِهِ كَنَفَقَة زَوجته فِي الْغَد لِأَن الرَّهْن وَثِيقَة حق فَلَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ
وَالثَّانِي كَونه مَعْلُوما للعاقدين فَلَو جهلاه أَو أَحدهمَا لم يَصح
وَالثَّالِث كَونه لَازِما أَو آيلا إِلَى اللُّزُوم فَلَا يَصح فِي غير ذَلِك كَمَال الْكِتَابَة وَلَا بِجعْل الْجعَالَة قبل الْفَرَاغ من الْعَمَل وَيجوز الرَّهْن بِالثّمن فِي مُدَّة الْخِيَار لِأَنَّهُ آيل إِلَى اللُّزُوم وَالْأَصْل فِي وَضعه اللُّزُوم بِخِلَاف مَال الْكِتَابَة وَجعل الْجعَالَة وَظَاهر أَن الْكَلَام حَيْثُ قُلْنَا ملك المُشْتَرِي الْمَبِيع ليملك البَائِع الثّمن كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الإِمَام وَلَا حَاجَة لقَوْل المُصَنّف (إِذا اسْتَقر ثُبُوتهَا) أَي الدُّيُون (فِي الذِّمَّة) بل هُوَ مُضر إِذْ لَا فرق بَين كَونه مُسْتَقرًّا كَثمن الْمَبِيع الْمَقْبُوض وَدين الْمُسلم وَأرش الْجِنَايَة أَو غير مُسْتَقر كالأجرة قبل اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة
وَسكت المُصَنّف عَن الرُّكْنَيْنِ الْأَخيرينِ
أما الصِّيغَة فَيشْتَرط فِيهَا مَا مر فِيهَا فِي البيع فَإِن شَرط فِي الرَّهْن مُقْتَضَاهُ كتقدم الْمُرْتَهن بالمرهون عِنْد تزاحم الْغُرَمَاء أَو شَرط فِيهِ مصلحَة لَهُ كإشهاد بِهِ أَو مَا لَا غَرَض فِيهِ كَأَن يَأْكُل العَبْد الْمَرْهُون كَذَا صَحَّ العقد ولغا الشَّرْط الْأَخير وَإِن شَرط مَا يضر الْمُرْتَهن أَو الرَّاهِن كَأَن لَا يُبَاع عِنْد الْمحل أَو أَن منفعَته للْمُرْتَهن أَو أَن تحدث زوائده مَرْهُونَة لم يَصح الرَّهْن فِي الثَّلَاث لإخلال الشَّرْط بالغرض مِنْهُ فِي الأولى ولتغير قَضِيَّة العقد فِي الثَّانِيَة ولجهالة الزَّوَائِد وَعدمهَا فِي الثَّالِثَة
وَأما العاقدان فَيشْتَرط فيهمَا أَهْلِيَّة التَّبَرُّع وَالِاخْتِيَار كَمَا فِي البيع وَنَحْوه
فَلَا يرْهن الْوَلِيّ أيا كَانَ أَو غَيره مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا يرتهن لَهما إِلَّا لضَرُورَة أَو غِبْطَة ظَاهِرَة فَيجوز لَهُ الرَّهْن والارتهان فيهمَا دون غَيرهمَا مثالهما للضَّرُورَة أَن يرْهن على مَا يقترض لحَاجَة الْمُؤْنَة ليوفي مِمَّا ينْتَظر من غلَّة أَو حُلُول دين أَو نَحْو ذَلِك كنفاق مَتَاع كاسد وَأَن يرتهن على مَا يقْرضهُ أَو يَبِيعهُ مُؤَجّلا لضَرُورَة نهب أَو نَحوه
ومثالهما للغبطة أَن يرْهن مَا يُسَاوِي مائَة على ثمن مَا اشْتَرَاهُ بِمِائَة نَسِيئَة وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ وَأَن يرتهن على ثمن مَا يَبِيعهُ نَسِيئَة لغبطة
وَلَا يلْزم الرَّهْن إِلَّا بِقَبْضِهِ كَمَا مر فِي البيع بِإِذن من الرَّاهِن أَو إقباض مِنْهُ مِمَّن يَصح عقده للرَّهْن
وللعاقد إنابة غَيره فِيهِ