تَنْبِيه سكت المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى عَن شُرُوط بَقِيَّة الْأَركان فَيشْتَرط فِي الْمُعير صِحَة تبرعه وَلِأَنَّهَا تبرع بِإِبَاحَة الْمَنْفَعَة فَلَا تصح من صبي وَمَجْنُون ومكاتب بِغَيْر إِذن سَيّده ومحجور عَلَيْهِ بِسَفَه وفلس أَن يكون مُخْتَارًا فَلَا يَصح من مكره وَأَن يكون مَالِكًا لمَنْفَعَة المعار وَإِن لم يكن مَالِكًا للعين لِأَن الْإِعَارَة إِنَّمَا ترد على الْمَنْفَعَة دون الْعين فَتَصِح من مكتر لَا من مستعير لِأَنَّهُ غير مَالك للمنفعة وَإِنَّمَا أُبِيح لَهُ الِانْتِفَاع فَلَا يملك نقل الْإِبَاحَة
وَيشْتَرط فِي الْمُسْتَعِير تعْيين وَإِطْلَاق تصرف فَلَا تصح لغير معِين كَأَن قَالَ أعرت أَحَدكُمَا
وَلَا لصبي وَمَجْنُون وسفيه إِلَّا بِعقد وليهم إِذا لم تكن الْعَارِية مَضْمُونَة كَأَن اسْتعَار من مُسْتَأْجر
وللمستعير إنابة من يَسْتَوْفِي لَهُ الْمَنْفَعَة لِأَن الِانْتِفَاع رَاجع إِلَيْهِ
وَيشْتَرط فِي الصِّيغَة لفظ يشْعر بِالْإِذْنِ فِي الِانْتِفَاع كأعرتك أَو بِطَلَبِهِ كأعرني مَعَ لفظ الآخر أَو فعله وَإِن تَأَخّر أَحدهمَا عَن الآخر كَمَا فِي الْإِبَاحَة وَفِي معنى اللَّفْظ الْكِتَابَة مَعَ نِيَّة وَإِشَارَة أخرس مفهمة
وَلَو قَالَ أعرتك فرسي مثلا لتعلفه بعلفك أَو لتعيرني فرسك فَهُوَ إِجَارَة لَا إِعَارَة نظرا إِلَى الْمَعْنى فَاسِدَة لجَهَالَة الْمدَّة والعوض توجب أُجْرَة الْمثل وَمؤنَة رد المعار على الْمُسْتَعِير من مَالك أَو من نَحْو مكتر إِن رد عَلَيْهِ فَإِن رد على الْمَالِك فالمؤنة عَلَيْهِ كَمَا لَو رد على الْمُكْتَرِي
وَخرج بمؤنة رده مُؤْنَته فتلزم الْمَالِك لِأَنَّهَا من حُقُوق الْملك وَإِن خَالف القَاضِي وَقَالَ إِنَّهَا على الْمُسْتَعِير
وَتجوز (الْعَارِية مُطلقَة) من غير تَقْيِيد بِزَمن (ومقيدة بِمدَّة) كشهر فَلَا يفْتَرق الْحَال بَينهمَا
نعم المؤقتة فَيجوز فِيهَا تَكْرِير الْمُسْتَعِير مَا استعاره لَهُ فَإِذا اسْتعَار أَرضًا لبِنَاء أَو غراس جَازَ لَهُ أَن يَبْنِي أَو يغْرس الْمرة بعد الْأُخْرَى مَا لم تنقص الْمدَّة أَو يرجع الْمُعير وَفِي الْمُطلقَة لَا يفعل ذَلِك إِلَّا مرّة وَاحِدَة فَإِن قلع مَا بناه أَو غرسه لم تكن لَهُ إِعَادَته إِلَّا بِإِذن جَدِيد إِلَّا إِن صرح لَهُ بالتجديد مرّة بعد أُخْرَى وَسَوَاء أَكَانَت الْإِعَارَة مُطلقَة أم مُؤَقَّتَة وَلكُل من الْمُعير أَو الْمُسْتَعِير رُجُوع فِي الْعَارِية مَتى شَاءَ لِأَنَّهَا جَائِزَة من الطَّرفَيْنِ فتنفسخ بِمَا تَنْفَسِخ بِهِ الْوكَالَة وَنَحْوهَا من موت أَحدهمَا وَغَيره وَيسْتَثْنى من رُجُوع الْمُعير مَا إِذا أعَار أَرضًا لدفن ميت مُحْتَرم فَلَا يرجع الْمُعير فِي مَوْضِعه الَّذِي دفن فِيهِ وَامْتنع أَيْضا على الْمُسْتَعِير ردهَا فَهِيَ لَازِمَة من جهتهما حَتَّى يندرس أثر المدفون إِلَّا عجب الذَّنب وَهُوَ مثل حَبَّة خَرْدَل فِي طرف العصعص لَا يكَاد يتَحَقَّق بِالْمُشَاهَدَةِ مُحَافظَة على حُرْمَة الْمَيِّت وَلَهُمَا الرُّجُوع قبل وَضعه فِي الْقَبْر لَا بعد وَضعه وَإِن لم يوار بِالتُّرَابِ كَمَا رَجحه فِي الشَّرْح الصَّغِير خلافًا للمتولي
وَذكرت فِي شرح الْمِنْهَاج وَغَيره مسَائِل كَثِيرَة مُسْتَثْنَاة من الرُّجُوع فَلَا نطيل بذكرها فَمن أرادها فَلْيُرَاجِعهَا من تِلْكَ الْكتب
وَلَكِن الهمم قد قصرت وَإِن أعَار لبِنَاء أَو غراس وَلَو إِلَى مُدَّة ثمَّ رَجَعَ بعد أَن بنى الْمُسْتَعِير أَو غرس فَإِن شَرط عَلَيْهِ قلع ذَلِك لزمَه قلعه فَإِن امْتنع قلعه الْمُعير وَإِن لم يشْتَرط عَلَيْهِ ذَلِك فَإِن اخْتَارَهُ الْمُسْتَعِير قلع مجَّانا وَلَزِمَه تَسْوِيَة الأَرْض
وَإِن لم يخْتَر قلعه خير الْمُعير بَين ثَلَاثَة أُمُور وَهِي تملكه بِعقد بِقِيمَتِه مُسْتَحقّ الْقلع حِين التَّمَلُّك أَو قلعه بِضَمَان أرش نَقصه أَو تبقيته بِأُجْرَة فَإِن لم يخْتَر الْمُعير شَيْئا ترك حَتَّى يخْتَار أَحدهمَا مَا لَهُ اخْتِيَاره وَلكُل مِنْهُمَا بيع ملكه مِمَّن شَاءَ وَإِذا رَجَعَ الْمُعير قبل إِدْرَاك زرع لم يعْتد قلعه لزمَه تبقيته إِلَى قلعه وَلَو عين مُدَّة وَلم يدْرك فِيهَا لتقصير من الْمُسْتَعِير قلعه الْمُعير مجَّانا كَمَا لَو حمل نَحْو سيل كهواء بذرا إِلَى أرضه فنبت فِيهَا فَإِن لَهُ قلعه