(الْمَجْنُون و) الثَّالِث (النَّائِم) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث
عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ صَححهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره
وَحَيْثُ ارْتَفع عَنْهُم الْقَلَم بَطل تصرفهم نعم لَو طَرَأَ الْجُنُون من سكر تعدى بِهِ صَحَّ تصرفه لِأَنَّهُ لَو طلق فِي هَذَا الْجُنُون وَقع طَلَاقه على الْمَذْهَب الْمَنْصُوص فِي كتب الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة
والمبرسم وَالْمَعْتُوه وَهُوَ النَّاقِص الْعقل كَمَا فِي الصِّحَاح كَالْمَجْنُونِ (و) الرَّابِع (الْمُكْره) بِفَتْح الرَّاء على طَلَاق زَوجته لَا يَقع خلافًا لأبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ وَلخَبَر لَا طَلَاق فِي إغلاق أَي إِكْرَاه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصحح إِسْنَاده على شَرط مُسلم
فَإِن ظهر من الْمُكْره قرينَة اخْتِيَار مِنْهُ للطَّلَاق كَأَن أكره على ثَلَاث طلقات فَطلق وَاحِدَة أَو على طَلَاق صَرِيح فكنى وَنوى أَو على تَعْلِيق فنجز أَو بِالْعَكْسِ لهَذِهِ الصُّور وَقع الطَّلَاق فِي الْجَمِيع لِأَن مُخَالفَته تشعر اخْتِيَاره فِيمَا أَتَى بِهِ
وَشرط حُصُول الْإِكْرَاه قدرَة الْمُكْره بِكَسْر الرَّاء على تَحْقِيق مَا هدد بِهِ الْمُكْره بِفَتْحِهَا تهديد عَاجلا ظلما بِولَايَة أَو تغلب وَعجز الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء عَن دفع الْمُكْره بِكَسْرِهَا بهرب أَو غَيره كاستغاثة بِغَيْرِهِ وظنه أَنه إِن امْتنع من فعل مَا أكره عَلَيْهِ حقق فعل مَا خَوفه بِهِ لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق الْعَجز إِلَّا بِهَذِهِ الْأُمُور الثَّلَاثَة فَخرج بعاجلا مَا لَو قَالَ لأَقْتُلَنك غَدا فَلَيْسَ بإكراه وبظلما مَا لَو قَالَ ولي الْقصاص للجاني طلق زَوجتك وَإِلَّا اقتصصت مِنْك لم يكن إِكْرَاها
وَيحصل الْإِكْرَاه بتخويف بِضَرْب شَدِيد أَو حبس طَوِيل أَو إِتْلَاف مَال أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يُؤثر الْعَاقِل لأَجله الْإِقْدَام على مَا أكره عَلَيْهِ
وَيخْتَلف الْإِكْرَاه باخْتلَاف الْأَشْخَاص والأسباب الْمُكْره عَلَيْهَا فقد يكون الشَّيْء إِكْرَاها فِي شخص دون آخر وَفِي سَبَب دون آخر فالإكراه بِإِتْلَاف مَال لَا يضيق على الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء كخمسة دَرَاهِم فِي حق الْمُوسر لَيْسَ بإكراه على الطَّلَاق لِأَن الْإِنْسَان يتحمله وَلَا يُطلق بِخِلَاف المَال الَّذِي يضيق عَلَيْهِ وَالْحَبْس فِي الْوَجِيه إِكْرَاه وَإِن قل كَمَا قَالَه الْأَذْرَعِيّ وَالضَّرْب الْيَسِير فِي أهل المروءات إِكْرَاه
وَخرج بِقَيْد طَلَاق زَوجته فِيمَا تقدم مَا إِذا أكرهه على طَلَاق زَوْجَة نَفسه بِأَن قَالَ لَهُ طلق زَوْجَتي وَإِلَّا قتلتك فَطلقهَا وَقع على الصَّحِيح لِأَنَّهُ أبلغ فِي الْإِذْن كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة
تَتِمَّة لَو قَالَ لزوجته إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فَطلقهَا طَلْقَة أَو أَكثر وَقع الْمُنجز فَقَط وَلَا يَقع مَعَه الْمُعَلق لزيادته على الْمَمْلُوك وَقيل لَا يَقع شَيْء لِأَنَّهُ لَو وَقع الْمُنجز لوقع الْمُعَلق قبله بِحكم التَّعْلِيق وَلَو وَقع الْمُعَلق لم يَقع الْمُنجز وَإِذا لم يَقع الْمُنجز لم يَقع الْمُعَلق وَهَذِه الْمَسْأَلَة تسمى السريجية منسوبة لِابْنِ سُرَيج وَجرى عَلَيْهَا كثير من الْأَصْحَاب وَالْأول هُوَ مَا صَححهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمد
وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين لَا يجوز التَّقْلِيد فِي عدم الْوُقُوع وَقَالَ ابْن الصّباغ وددت لَو محيت هَذِه الْمَسْأَلَة وَابْن سُرَيج بَرِيء مِمَّا نسب إِلَيْهِ فِيهَا
وَلَو علق الطَّلَاق بمستحيل عرفا كصعود السَّمَاء والطيران أَو عقلا كالجمع بَين الضدين أَو شرعا كنسخ صَوْم رَمَضَان لم تطلق لِأَنَّهُ لم ينجز الطَّلَاق وَإِنَّمَا علقه على صفة لم تُوجد
وَالْيَمِين فِيمَا ذكر منعقدة حَتَّى يَحْنَث بهَا الْمُعَلق