للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إِلَّا أَن يُقيم الْبَيِّنَة) بزناها فيرتفع عَنهُ الْحَد أَو التَّعْزِير لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لهِلَال بن أُميَّة حِين قذف زَوجته بِشريك ابْن سمحاء الْبَيِّنَة أَو حد فِي ظهرك فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا إِنِّي لصَادِق ولينزلن الله فِي أَمْرِي مَا يبرىء ظَهْري من الْحَد فَنزلت آيَات اللّعان الحَدِيث وَهُوَ بِطُولِهِ فِي صَحِيح البُخَارِيّ فَدلَّ على ارْتِفَاع الْحَد بِالْبَيِّنَةِ (أَو يُلَاعن) لدفع الْحَد إِن اخْتَارَهُ لحَدِيث هِلَال وَله الِامْتِنَاع وَعَلِيهِ حد الْقَذْف كَمَا فِي الرَّوْضَة

وَيشْتَرط لصِحَّة اللّعان سبق قذفه زَوجته تَقْدِيمًا للسبب على الْمُسَبّب كَمَا هُوَ مُسْتَفَاد من صَنِيع المُصَنّف وَبِه صرح الْأَصْحَاب لِأَن اللّعان إِنَّمَا شرع لخلاص الْقَاذِف من الْحَد

قَالَ فِي الْمُهَذّب لِأَن الزَّوْج يبتلى بِقَذْف امْرَأَته لدفع الْعَار وَالنّسب الْفَاسِد

وَقد يتَعَذَّر عَلَيْهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة فَجعل اللّعان بَيِّنَة لَهُ فَلهُ قَذفهَا إِذا تحقق زنَاهَا بِأَن رَآهَا تَزني أَو ظن زنَاهَا ظنا مؤكدا أورثه الْعلم كشياع زنَاهَا بزيد مصحوب بِقَرِينَة كَأَن رَآهَا وَلَو مرّة وَاحِدَة فِي خلْوَة أَو رَآهُ يخرج من عِنْدهَا أَو هِيَ تخرج من عِنْده أَو رأى رجلا مَعهَا مرَارًا فِي مَحل رِيبَة أَو مرّة تَحت شعار فِي هَيْئَة مُنكرَة أما مُجَرّد الإشاعة فَقَط أَو الْقَرِينَة فَقَط فَلَا يجوز لَهُ اعْتِمَاد وَاحِد مِنْهُمَا أما الإشاعة فقد يشيعه عَدو لَهَا أَو من يطْمع فِيهَا فَلم يظفر بِشَيْء وَأما مُجَرّد الْقَرِينَة الْمَذْكُورَة فَلِأَنَّهُ رُبمَا دخل عَلَيْهَا لخوف أَو سَرقَة أَو طمع أَو نَحْو ذَلِك وَالْأولَى لَهُ كَمَا فِي زَوَائِد الرَّوْضَة أَن يستر عَلَيْهَا ويطلقها إِن كرهها لما فِيهِ من ستر الْفَاحِشَة وإقالة العثرة

هَذَا حَيْثُ لَا ولد يَنْفِيه فَإِن كَانَ هُنَاكَ ولد يَنْفِيه بِأَن علم أَنه لَيْسَ مِنْهُ لزمَه نَفْيه لِأَن ترك النَّفْي يتَضَمَّن استلحاقه واستلحاق من لَيْسَ مِنْهُ حرَام كَمَا يحرم نفي من هُوَ مِنْهُ

وَإِنَّمَا يعلم إِذا لم يَطَأهَا أَو وَطئهَا وَلَكِن وَلدته لدوّنَ سِتَّة أشهر من وَطئه الَّتِي هِيَ أقل مُدَّة الْحمل أَو لفوق أَربع سِنِين من الْوَطْء الَّتِي هِيَ أَكثر مُدَّة الْحمل فَلَو علم زنَاهَا وَاحْتمل كَون الْوَلَد مِنْهُ وَمن الزِّنَا وَإِن لم يَسْتَبْرِئهَا بعد وَطئه حرم النَّفْي رِعَايَة للْفراش وَكَذَا الْقَذْف وَاللّعان على الصَّحِيح لِأَن اللّعان حجَّة ضَرُورِيَّة إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهَا لدفع النّسَب أَو قطع النِّكَاح حَيْثُ لَا ولد على الْفراش الملطخ وَقد حصل الْوَلَد هُنَا فَلم يبْق لَهُ فَائِدَة والفراق يُمكن بِالطَّلَاق

ثمَّ شرع فِي كَيْفيَّة اللّعان بقوله (فَيَقُول) أَي الزَّوْج (عِنْد الْحَاكِم) أَو نَائِبه إِذْ اللّعان لَا يعْتَبر إِلَّا بِحُضُورِهِ والمحكم حَيْثُ لَا ولد كالحاكم أما إِذا كَانَ هُنَاكَ ولد فَلَا يَصح التَّحْكِيم

إِلَّا أَن يكون مُكَلّفا ويرضى بِحكمِهِ لِأَن لَهُ حَقًا فِي النّسَب فَلَا يُؤثر رضاهما فِي حَقه

وَالسَّيِّد فِي اللّعان بَين أمته وَعَبده إِذا زَوجهَا مِنْهُ كالحاكم لِأَن لَهُ أَن يتَوَلَّى لعان رَقِيقه وَيسن التَّغْلِيظ فِي اللّعان بِالْمَكَانِ وَالزَّمَان

أما الْقسم الأول وَهُوَ التَّغْلِيظ بِالْمَكَانِ فَيكون فِي أشرف مَوضِع بلد اللّعان لِأَن فِي ذَلِك تَأْثِيرا فِي الزّجر عَن الْيَمين الْفَاجِرَة فَإِن كَانَ فِي غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة فَيكون (فِي الْجَامِع على الْمِنْبَر) كَمَا صَححهُ صَاحب الْكَافِي لِأَن الْجَامِع هُوَ الْمُعظم من تِلْكَ الْبَلدة والمنبر أولى فَإِن كَانَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَبين الرُّكْن الَّذِي فِيهِ الْحجر الْأسود وَبَين مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَيُسمى مَا بَينهمَا بِالْحَطِيمِ

فَإِن قيل لَا شَيْء فِي مَكَّة أشرف من الْبَيْت

أُجِيب بِأَن عدولهم عَنهُ صِيَانة لَهُ عَن ذَلِك وَإِن كَانَ فِي مَسْجِد الْمَدِينَة فعلى الْمِنْبَر كَمَا فِي الْأُم والمختصر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على منبري هَذَا يَمِينا آثِما تبوأ مَقْعَده من النَّار وَإِن كَانَ فِي بَيت الْمُقَدّس فَعِنْدَ الصَّخْرَة لِأَنَّهَا أشرف بقاعه لِأَنَّهَا قبْلَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم

<<  <  ج: ص:  >  >>