الْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد وَغَيره كَانَ فِي شرع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام تحتم الْقصاص جزما وَفِي شرع عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام الدِّيَة فَقَط
فَخفف الله تَعَالَى عَن هَذِه الْأمة وَخَيرهَا بَين الْأَمريْنِ لما فِي الْإِلْزَام بِأَحَدِهِمَا من الْمَشَقَّة وَلِأَن الْجَانِي مَحْكُوم عَلَيْهِ فَلَا يعْتَبر رِضَاهُ كالمحال عَلَيْهِ وَلَو عَفا عَن عُضْو من أَعْضَاء الْجَانِي سقط كُله كَمَا أَن تطليق بعض الْمَرْأَة تطليق لكلها
وَلَو عَفا بعض الْمُسْتَحقّين سقط أَيْضا وَإِن لم يرض الْبَعْض الآخر لِأَن الْقصاص لَا يتَجَزَّأ ويغلب فِيهِ جَانب السُّقُوط
القَوْل فِي الْخَطَأ الْمَحْض (وَالْخَطَأ الْمَحْض) هُوَ أَن يقْصد الْفِعْل دون الشَّخْص كَأَن (يَرْمِي إِلَى شَيْء) كشجرة أَو صيد (فَيُصِيب) إنْسَانا (رجلا) أَي ذكرا أَو غَيره (فيقتله) أَو يَرْمِي بِهِ زيدا فَيُصِيب عمرا كَمَا مر وَلم يقْصد أصل الْفِعْل كَأَن زلق فَسقط على غَيره فَمَاتَ كَمَا مر أَيْضا
(فَلَا قَود عَلَيْهِ) لقَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله} اي فَأوجب الدِّيَة وَلم يتَعَرَّض للْقصَاص (بل تجب دِيَة) لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة (مُخَفّفَة على الْعَاقِلَة) كَمَا ستعرفه فِي فصلها
(مُؤَجّلَة) عَلَيْهِم لأَنهم يحملونها على سَبِيل الْمُوَاسَاة وَمن الْمُوَاسَاة تأجيلها عَلَيْهِم (فِي ثَلَاث سِنِين) بِالْإِجْمَاع كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَغَيره
(وَعمد الْخَطَأ) الْمُسَمّى بشبه الْعمد
هُوَ (أَن يقْصد ضربه) أَي الشَّخْص (بِمَا لَا يقتل غَالِبا) كسوط أَو عَصا خَفِيفَة أَو نَحْو ذَلِك (فَيَمُوت) بِسَبَبِهِ (فَلَا قَود عَلَيْهِ) لفقد الْآلَة القاتلة غَالِبا فموته بغَيْرهَا مصادفة قدر
(بل تجب دِيَة مُغَلّظَة) لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا إِن فِي قَتِيل عمد الْخَطَأ قَتِيل السَّوْط أَو الْعَصَا مائَة من الْإِبِل مُغَلّظَة مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَالْمعْنَى فِيهِ أَن شبه الْعمد مُتَرَدّد بَين الْعمد وَالْخَطَأ فَأعْطِي حكم الْعمد من وَجه تغليظها وَحكم الْخَطَأ من وَجه كَونهَا (على الْعَاقِلَة)
لما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بذلك (مُؤَجّلَة) عَلَيْهِم كَمَا فِي دِيَة الْخَطَأ
تَنْبِيه جِهَات تحمل الدِّيَة ثَلَاث قرَابَة وَوَلَاء وَبَيت مَال لَا غَيرهَا
كزوجية وقرابة لَيست بعصبة وَلَا الفريد الَّذِي لَا عشيرة لَهُ فَيدْخل نَفسه فِي قَبيلَة ليعد مِنْهَا
الْجِهَة الأولى عصبَة الْجَانِي الَّذين يرثونه بِالنّسَبِ أَو الْوَلَاء إِذا كَانُوا ذُكُورا مكلفين
قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا أعلم مُخَالفا فِي أَن الْعَاقِلَة الْعصبَة وهم الْقَرَابَة من قبل الْأَب قَالَ وَلَا أعلم مُخَالفا فِي أَن الْمَرْأَة وَالصَّبِيّ إِن أيسرا لَا يحْملَانِ شَيْئا وَكَذَا الْمَعْتُوه عِنْدِي انْتهى
وَاسْتثنى من الْعصبَة أصل الْجَانِي وَإِن علا وفرعه وَإِن سفل لأَنهم أَبْعَاضه فَكَمَا لَا يتَحَمَّل الْجَانِي لَا يتَحَمَّل أَبْعَاضه
وَيقدم فِي تحمل الدِّيَة من الْعصبَة الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب
فَإِن لم يَفِ الْأَقْرَب بِالْوَاجِبِ بِأَن بَقِي مِنْهُ شَيْء وزع الْبَاقِي على من يَلِيهِ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَيقدم مِمَّن ذكر مدل بأبوين على مدل بأب فَإِن لم يَفِ مَا