القَوْل فِي حكم مَا أتْلفه الْبُغَاة وَمَا أتْلفه بَاغ من نفس أَو مَال على عَادل وَعَكسه
إِن لم يكن فِي قتال لضرورته بِأَن كَانَ فِي غير الْقِتَال أَو فِيهِ لَا لضرورته ضمن كل مِنْهُمَا مَا أتْلفه من نفس أَو مَال جَريا على الأَصْل فِي الاتلافيات نعم إِن قصد أهل الْعدْل إِتْلَاف المَال إضعافهم وهزيمتهم لم يضمنوا كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ
فَإِن كَانَ الْإِتْلَاف فِي قتال لضرورته فَلَا ضَمَان اقْتِدَاء بالسلف لِأَن الوقائع الَّتِي جرت فِي عصر الصَّحَابَة كوقعة الْجمل وصفين لم يُطَالب بَعضهم بَعْضًا بِضَمَان نفس وَلَا مَال وَهَذَا عِنْد اجْتِمَاع الشَّوْكَة والتأويل فَإِن فقد أَحدهمَا فَلهُ حالان الأول الْبَاغِي المتأول بِلَا شَوْكَة يضمن النَّفس وَالْمَال وَلَو حَال الْقِتَال كقاطع الطَّرِيق
وَالثَّانِي لَهُ شَوْكَة بِلَا تَأْوِيل وَهَذَا كباغ فِي الضَّمَان وَعَدَمه
لِأَن سُقُوط الضَّمَان فِي الباغين لقطع الْفِتْنَة واجتماع الْكَلِمَة وَهُوَ مَوْجُود هُنَا
وَلَا يُقَاتل الإِمَام الْبُغَاة حَتَّى يبْعَث لَهُم أَمينا فطنا إِن كَانَ الْبَعْث للمناظرة ناصحا لَهُم يسألهم عَمَّا يكْرهُونَ اقْتِدَاء ب عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ بعث ابْن عَبَّاس إِلَى أهل النهروان فَرجع بَعضهم وأبى بَعضهم فَإِن ذكرُوا مظْلمَة أَو شُبْهَة أزالها لِأَن الْمَقْصُود بقتالهم ردهم إِلَى الطَّاعَة فَإِن أصروا نصحهمْ ووعظهم فَإِن أصروا أعلمهم بِالْقِتَالِ لِأَن الله تَعَالَى أَمر أَولا بالإصلاح ثمَّ بِالْقِتَالِ فَلَا يجوز تَقْدِيم مَا أَخّرهُ الله تَعَالَى فَإِن طلبُوا من الإِمَام الْإِمْهَال اجْتهد وَفعل مَا رَآهُ صَوَابا
القَوْل فِي أَسِير الْبُغَاة ومالهم (وَلَا يقتل) مدبرهم وَلَا من ألْقى سلاحه وَأعْرض عَن الْقِتَال وَلَا (أسيرهم وَلَا يذفف) بِالْمُعْجَمَةِ أَي لَا يسْرع (على جريحهم) بِالْقَتْلِ (وَلَا يغنم مَالهم) لقَوْله تَعَالَى {حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} والفيئة الرُّجُوع عَن الْقِتَال بالهزيمة وروى ابْن أبي شيبَة أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَمر مناديه يَوْم الْجمل فَنَادَى لَا يتبع مُدبر وَلَا يذفف على جريح وَلَا يقتل أَسِير وَمن أغلق بَابه فَهُوَ آمن وَمن ألْقى سلاحه فَهُوَ آمن وَلِأَن قِتَالهمْ شرع للدَّفْع عَن منع الطَّاعَة وَقد زَالَ
تَنْبِيه قد يفهم من منع قتل هَؤُلَاءِ وجوب الْقصاص بِقَتْلِهِم
وَالأَصَح أَنه لَا قصاص لشُبْهَة أبي حنيفَة وَلَا يُطلق أسيرهم وَلَو كَانَ صَبيا أَو امْرَأَة أَو عبدا حَتَّى يَنْقَضِي الْحَرْب
ويتفرق جمعهم وَلَا يتَوَقَّع عودهم إِلَّا أَن يُطِيع الْأَسير بِاخْتِيَارِهِ
فيطلق قبل ذَلِك وَهَذَا فِي الرجل الْحر
وَكَذَا فِي الصَّبِي وَالْمَرْأَة وَالْعَبْد إِن كَانُوا مقاتلين وَإِلَّا أطْلقُوا بِمُجَرَّد انْقِضَاء الْحَرْب وَيرد لَهُم بعد أَمن شرهم بعودهم إِلَى الطَّاعَة أَو تفرقهم وَعدم توقع عودهم مَا أَخذ مِنْهُم من سلَاح وخيل وَغير ذَلِك
وَيحرم اسْتِعْمَال شَيْء من سِلَاحهمْ وخيلهم وَغَيرهم من أَمْوَالهم لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل مَال امرىء مُسلم إِلَّا بِطيب نفس مِنْهُ إِلَّا لضَرُورَة كَمَا إِذا خفنا انهزام أهل الْعدْل وَلم نجد غير خيولهم فَيجوز لأهل الْعدْل ركُوبهَا وَلَا يُقَاتلُون بِمَا يعم كنار ومنجنيق وَلَا يستعان عَلَيْهِم بِكَافِر لِأَنَّهُ يحرم تسليطه على الْمُسلم إِلَّا لضَرُورَة بِأَن كَثُرُوا وَأَحَاطُوا بِنَا فيقاتلون بِمَا يعم كنار ومنجنيق وَلَا بِمن يرى قَتلهمْ مُدبرين لعداوة أَو اعْتِقَاد كالحنفي وَالْإِمَام لَا يرى ذَلِك إبْقَاء عَلَيْهِم