للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَكْل الْحَلَال وَقد قَالَ تَعَالَى {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} فَلَا يشْتَرط تحقق وُقُوعه لَو لم يَأْكُل بل يَكْفِي فِي ذَلِك الظَّن كَمَا فِي الْإِكْرَاه على أكل ذَلِك فَلَا يشْتَرط فِيهِ التيقن وَلَا الإشراف على الْمَوْت بل لَو انْتهى إِلَى هَذِه الْحَالة لم يحل لَهُ أكله فَإِنَّهُ غير مُفِيد كَمَا صرح بِهِ فِي أصل الرَّوْضَة

تَنْبِيه يسْتَثْنى من ذَلِك العَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَا يُبَاح لَهُ الْأكل حَتَّى يَتُوب قَالَ البُلْقِينِيّ وكالعاصي بِسَفَرِهِ مراق الدَّم كالمرتد

وَالْحَرْبِيّ فَلَا يأكلان من ذَلِك حَتَّى يسلما قَالَ وَكَذَا مراق الدَّم من الْمُسلمين وَهُوَ مُتَمَكن من إِسْقَاط الْقَتْل بِالتَّوْبَةِ كتارك الصَّلَاة

وَمن قتل فِي قطع الطَّرِيق قَالَ وَلم أر من تعرض لَهُ وَهُوَ مُتَعَيّن

تَنْبِيه أفهم إِطْلَاق المُصَنّف الْميتَة الْمُحرمَة التَّخْيِير بَين أَنْوَاعهَا كميتة شَاة وحمار لَكِن لَو كَانَت الْميتَة من حَيَوَان نجس فِي حَيَاته كخنزير وميتة حَيَوَان طَاهِر فِي حَيَاته كحمار وَجب تَقْدِيم ميتَة الطَّاهِر كَمَا صَححهُ فِي الْمَجْمُوع وَهُوَ الْمُعْتَمد وَإِن خَالفه الْإِسْنَوِيّ ثمَّ إِن توقع الْمُضْطَر حَلَالا على قرب لم يجز أَن يَأْكُل غير (مَا يسدد رمقه) لاندفاع الضَّرُورَة بِهِ وَقد يجد بعده الْحَلَال وَلقَوْله تَعَالَى {غير متجانف لإثم} قيل أَرَادَ بِهِ الشِّبَع قَالَ الْإِسْنَوِيّ وَمن تبعه والرمق بَقِيَّة الرّوح كَمَا قَالَه جمَاعَة وَقَالَ بَعضهم إِنَّه الْقُوَّة وَبِذَلِك ظهر لَك أَن الشد الْمَذْكُور بالشين الْمُعْجَمَة لَا بِالْمُهْمَلَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَغَيره الَّذِي نَحْفَظهُ أَنه بِالْمُهْمَلَةِ

وَهُوَ كَذَلِك فِي الْكتب وَالْمعْنَى عَلَيْهِ صَحِيح لِأَن المُرَاد سد الْخلَل الْحَاصِل فِي ذَلِك بِسَبَب الْجُوع نعم إِن خَافَ تلفا أَو حُدُوث مرض أَو زِيَادَته إِن اقْتصر على سد الرمق جَازَت لَهُ الزِّيَادَة بل وَجَبت لِئَلَّا يهْلك نَفسه

تَنْبِيه يجوز لَهُ التزود من الْمُحرمَات وَلَو رجا الْوُصُول إِلَى الْحَلَال وَيبدأ وجوبا بلقمة حَلَال ظفر بهَا فَلَا يجوز أَن يَأْكُل مِمَّا ذكر حَتَّى يأكلها لتحَقّق الضَّرُورَة وَإِذا وجد الْحَلَال بعد تنَاوله الْميتَة وَنَحْوهَا لزمَه الْقَيْء أَي إِذا لم يضرّهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّة نَص الْأُم فَإِنَّهُ قَالَ وَإِن أكره رجل حَتَّى شرب خمرًا أَو أكل محرما فَعَلَيهِ أَن يتقايأ إِذا قدر عَلَيْهِ وَلَو عَم الْحَرَام جَازَ اسْتِعْمَال مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا يقْتَصر على الضَّرُورَة قَالَ الإِمَام بل على الْحَاجة قَالَ ابْن عبد السَّلَام هَذَا إِن توقع معرفَة الْمُسْتَحق إِذْ المَال عِنْد الْيَأْس مِنْهَا للْمصَالح الْعَامَّة وللمضطر أكل آدَمِيّ ميت إِذا لم يجد ميتَة غَيره كَمَا قَيده الشَّيْخَانِ فِي الشَّرْح وَالرَّوْضَة لِأَن حُرْمَة الْحَيّ أعظم من حُرْمَة الْمَيِّت

واستثني من ذَلِك مَا إِذا كَانَ الْمَيِّت نَبيا فَإِنَّهُ لَا يجوز الْأكل مِنْهُ جزما

فَإِن قيل كَيفَ يَصح هَذَا الِاسْتِثْنَاء والأنبياء أَحيَاء فِي قُبُورهم يصلونَ كَمَا صحت بِهِ الْأَحَادِيث

أُجِيب بِأَنَّهُ يتَصَوَّر ذَلِك من مُضْطَر وجد ميتَة نَبِي قبل دَفنه وَأما إِذا كَانَ الْمَيِّت مُسلما والمضطر كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يجوز الْأكل

<<  <  ج: ص:  >  >>