للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا أَقْْضِي إِلَّا بِالْعَدْلِ

وَأَن يَأْتِي الْمجْلس رَاكِبًا وَأَن يسْتَعْمل مَا جرت بِهِ الْعَادة من الْعِمَامَة والطيلسان وَينْدب أَن يسلم على النَّاس يَمِينا وَشمَالًا وَأَن يشاور الْفُقَهَاء عِنْد اخْتِلَاف وُجُوه النّظر وتعارض الْأَدِلَّة فِي حكم قَالَ تَعَالَى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وشاورهم فِي الْأَمر} قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستغنيا عَنْهَا وَلَكِن أَرَادَ أَن تكون سنة للحكام

أما الحكم الْمَعْلُوم بِنَصّ أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس جلي فَلَا

وَالْمرَاد بالفقهاء كَمَا قَالَه جمع من الْأَصْحَاب الَّذين يقبل قَوْلهم فِي الْإِفْتَاء فَيدْخل الْأَعْمَى وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة وَيخرج الْفَاسِق وَالْجَاهِل (وَلَا يقْعد للْقَضَاء فِي الْمَسْجِد) أَي يكره لَهُ اتِّخَاذه مَجْلِسا للْحكم صونا لَهُ عَن ارْتِفَاع الْأَصْوَات واللغظ الواقعين بِمَجْلِس الْقَضَاء عَادَة

وَلَو اتّفقت قَضِيَّة أَو قضايا وَقت حُضُوره فِيهِ لصَلَاة أَو غَيرهَا فَلَا بَأْس بفصلها وعَلى ذَلِك يحمل مَا جَاءَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن خلفائه فِي الْقَضَاء فِي الْمَسْجِد وَكَذَا إِذا احْتَاجَ لجُلُوس فِيهِ لعذر من مطر وَنَحْوه

فَإِن جلس فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَة أَو دونهَا منع الْخُصُوم من الْخَوْض فِيهِ بالمخاصمة والمشاتمة وَنَحْوهمَا

بل يَقْعُدُونَ خَارجه وَينصب من يدْخل عَلَيْهِ خصمين وَإِقَامَة الْحُدُود فِيهِ أَشد كَرَاهَة كَمَا نَص عَلَيْهِ

ثمَّ شرع فِي التَّسْوِيَة بَين الْخَصْمَيْنِ فَقَالَ (وَيُسَوِّي) أَي القَاضِي (بَين الْخَصْمَيْنِ) وجوبا على الصَّحِيح (فِي ثَلَاثَة) بل سَبْعَة (أَشْيَاء) كَمَا ستعرفه الأول (فِي الْمجْلس) فيسوي بَينهمَا فِيهِ بِأَن يجلسهما بَين يَدَيْهِ أَو أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره وَالْجُلُوس بَين يَدَيْهِ أولى وَلَا يرْتَفع الْمُوكل عَن الْوَكِيل والخصم لِأَن الدَّعْوَى مُتَعَلقَة بِهِ أَيْضا بِدَلِيل تَحْلِيفه إِذا وَجَبت يَمِين حَكَاهُ ابْن الرّفْعَة عَن الزبيلي وَأقرهُ قَالَ الْأَذْرَعِيّ وَغَيره وَهُوَ حسن والبلوى بِهِ عَامَّة وَقد رَأينَا من يُوكل قرارا من التسويه بَينه وَبَين خَصمه وَالصَّحِيح جَوَاز رفع مُسلم على ذمِّي فِي الْمجْلس كَأَن يجلس الْمُسلم أقرب إِلَيْهِ من الذِّمِّيّ لما روى الْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ خرج عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى السُّوق

فَإِذا هُوَ بنصراني يَبِيع درعا فعرفها عَليّ فَقَالَ هَذِه دِرْعِي بيني وَبَيْنك قَاضِي الْمُسلمين فَأتيَا إِلَى القَاضِي شُرَيْح فَلَمَّا رأى القَاضِي عليا قَامَ من مَجْلِسه وَأَجْلسهُ

فَقَالَ لَهُ عَليّ لَو كَانَ خصمي مُسلما لجلست مَعَه بَين يَديك وَلَكِنِّي سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا تساووهم فِي الْمجَالِس اقْضِ بيني وَبَينه

فَقَالَ شُرَيْح مَا تَقول يَا نَصْرَانِيّ فَقَالَ الدرْع دِرْعِي فَقَالَ شُرَيْح لعَلي هَل من بَيِّنَة فَقَالَ عَليّ صدق شُرَيْح فَقَالَ النَّصْرَانِي إِنِّي أشهد أَن هَذِه أَحْكَام الْأَنْبِيَاء ثمَّ أسلم النَّصْرَانِي فَأعْطَاهُ عَليّ الدرْع وَحمله على فرس عَتيق قَالَ الشّعبِيّ فقد رَأَيْته يُقَاتل الْمُشْركين عَلَيْهِ

وَلِأَن الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يعلى عَلَيْهِ وَيُشبه كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا أَن يجْرِي ذَلِك فِي سَائِر وُجُوه الْإِكْرَام حَتَّى فِي التَّقْدِيم فِي الدَّعْوَى كَمَا بَحثه بَعضهم وَهُوَ ظَاهر إِذا قلت خصوم الْمُسلمين

وَإِلَّا فَالظَّاهِر خِلَافه لِكَثْرَة ضَرَر الْمُسلمين

قَالَ الأسنوي وَلَو كَانَ أَحدهمَا ذِمِّيا وَالْآخر مُرْتَدا فَيتَّجه تَخْرِيجه على التكافؤ فِي الْقصاص

وَالصَّحِيح أَن الْمُرْتَد يقتل بالذمي دون عَكسه وتعجب البُلْقِينِيّ من هَذَا التَّخْرِيج فَإِن التكافؤ فِي الْقصاص لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ بسبيل وَلَو اعتبرناه لرفع الْحر على العَبْد وَالْوَالِد على الْوَلَد

<<  <  ج: ص:  >  >>