للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ضمنه بأَدَاء أَو إِبْرَاء لِأَنَّهُ يدْفع بِهِ الْغرم عَن نَفسه وبجراحة مُوَرِثه قبل اندمالها لِأَنَّهُ لَو مَاتَ كَانَ الْأَرْش لَهُ وَلَو شهد لموروث لَهُ مَرِيض أَو جريح بِمَال قبل الِانْدِمَال قبلت شَهَادَته

وَالْفرق بَين هَذِه وَالَّتِي قبلهَا أَن الْجراحَة سَبَب للْمَوْت النَّاقِل للحق إِلَيْهِ بِخِلَاف المَال

وَاحْتج لمنع قبُول الشَّهَادَة فِي ذَلِك وَأَمْثَاله

بقوله تَعَالَى {وَأدنى أَلا ترتابوا} والريبة حَاصِلَة هُنَا

وَبِقَوْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقبل شَهَادَة خصم وَلَا ظنين والظنين الْمُتَّهم (و) لهَذَا (لَا) تقبل شَهَادَة (دَافع عَنْهَا) أَي عَن نَفسه (ضَرَرا) كَشَهَادَة عَاقِلَة بفسق شُهُود قتل يحملونه من خطأ أَو شبه عمد وَشَهَادَة غُرَمَاء مُفلس بفسق شُهُود دين آخر ظهر عَلَيْهِ لأَنهم يدْفَعُونَ بهَا ضَرَر الْمُزَاحمَة

تَتِمَّة لَا تقبل شَهَادَة مُغفل لَا يضْبط أصلا وَلَا غَالِبا لعدم الوثوق بقوله أما من لَا يضْبط نَادرا والأغلب فِيهِ الْحِفْظ والضبط فَتقبل شَهَادَته قطعا لِأَن أحدا لَا يسلم من ذَلِك وَمن تعادل غلطه وَضَبطه فَالظَّاهِر أَنه كمن غلب غلطه وَلَا شَهَادَة مبادر بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يستشهد للتُّهمَةِ وَلخَبَر الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خير الْقُرُون قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ يَجِيء قوم يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون فَإِن ذَلِك فِي مقَام الذَّم لَهُم وَأما خبر مُسلم أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهُود الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا فَمَحْمُول على شَهَادَة الْحِسْبَة

وَهِي مَأْخُوذَة من الاحتساب وَهُوَ طلب الْأجر فَتقبل سَوَاء أسبقها دَعْوَى أم لَا وَسَوَاء أَكَانَت فِي غيبَة الْمَشْهُود عَلَيْهِ أم لَا وَهِي كَغَيْرِهَا من الشَّهَادَات فِي شُرُوطهَا السَّابِقَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى المتمحضة كَصَلَاة وَزَكَاة وَصَوْم بِأَن يشْهد بِتَرْكِهَا وَفِيمَا لله تَعَالَى فِيهِ حق مُؤَكد كَطَلَاق وَعتق وعفو عَن قصاص وَبَقَاء عدَّة وانقضائها وحد لله تَعَالَى بِأَن يشْهد بِمُوجب ذَلِك وَالْمُسْتَحب ستره إِذا رأى الْمصلحَة فِيهِ وإحصان وتعديل وَكَفَّارَة وبلوغ وَكفر وَإِسْلَام وَتَحْرِيم مصاهرة وَثُبُوت نسب وَوَصِيَّة

ووقف إِذا عَمت جهتهما وَلَو أخرت الْجِهَة الْعَامَّة فَيدْخل نَحْو مَا أفتى بِهِ الْبَغَوِيّ من أَنه لَو وقف دَارا على أَوْلَاده ثمَّ الْفُقَرَاء فاستولى عَلَيْهَا ورثته وتملكوها فَشهد شَاهِدَانِ حسبَة قبل انْقِرَاض أَوْلَاده بوقفيتها قبلت شَهَادَتهمَا لِأَن آخِره وقف على الْفُقَرَاء لَا إِن خصت جهتهما فَلَا تقبل شَهَادَتهمَا لتعلقهما بِحُقُوق خَاصَّة

وَخرج بِحُقُوق الله تَعَالَى حُقُوق الْآدَمِيّين كَالْقصاصِ وحد الْقَذْف والبيوع والأقارير لَكِن إِذا لم يعلم صَاحب الْحق بِهِ أعلمهُ الشَّاهِد بِهِ ليستشهده بعد الدَّعْوَى

وَإِنَّمَا تسمع شَهَادَة الْحِسْبَة عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا فَلَو شهد اثْنَان أَن فلَانا أعتق عَبده أَو أَنه أَخُو فُلَانَة من الرَّضَاع لم يكف حَتَّى يَقُولَا إِنَّه يسترقه أَو أَنه يُرِيد نِكَاحهَا وَكَيْفِيَّة شَهَادَة الْحِسْبَة أَن الشُّهُود يجيئون إِلَى القَاضِي وَيَقُولُونَ نَحن نشْهد على فلَان بِكَذَا فَأحْضرهُ لنشهد عَلَيْهِ فَإِن ابتدأوا وَقَالُوا فلَان زنى فهم قذفة

وَمَا تقبل فِيهِ شَهَادَة الْحِسْبَة هَل تسمع فِيهِ دَعْوَاهَا وَجْهَان أوجههمَا كَمَا جرى عَلَيْهِ ابْن الْمقري تبعا للإسنوي وَنسبه الإِمَام للعراقيين لَا تسمع لِأَنَّهُ لَا حق للْمُدَّعِي فِي الْمَشْهُود بِهِ وَمن لَهُ الْحق لم يَأْذَن فِي الطّلب وَالْإِثْبَات بل أَمر فِيهِ الْإِعْرَاض وَالدَّفْع مَا أمكن

وَالْوَجْه الثَّانِي وَرجحه البُلْقِينِيّ أَنَّهَا تسمع وَيجب حمله على غير حُدُود الله تَعَالَى

وَلذَا فصل بعض الْمُتَأَخِّرين فَقَالَ إِنَّهَا تسمع فِي مَحْض حُدُود الله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>