أَنفسهمَا إِذا أقرا فَفِي حق غَيرهمَا أولى ويحتج أَيْضا بقوله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} فالصبي لَيْسَ من الرِّجَال وَهُوَ الْمَجْنُون مِمَّن لَا يرضون للشَّهَادَة
وَمِنْهَا الْحُرِّيَّة فَلَا تقبل شَهَادَة الرَّقِيق قِنَا كَانَ أَو مُدبرا أَو مكَاتبا أَو أم ولد لقَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَالْخطاب للأحرار لأَنهم الْمَشْهُود فِي حَقهم وَأَيْضًا فَقَوله مِنْكُمْ لَيْسَ لاخراج الْكَافِر لِأَنَّهُ خرج بقوله ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فَتعين أَنه لإِخْرَاج العَبْد وَلِأَن الشَّهَادَة صفة كَمَال وتفضيل بِدَلِيل نقص شَهَادَة النِّسَاء فَوَجَبَ أَن لَا يدْخل فِيهِ العَبْد وَلِأَنَّهَا نُفُوذ قَول على الْغَيْر فَهِيَ ولَايَة وَالْعَبْد لَيْسَ أَهلا للولايات
وَمِنْهَا الْعَدَالَة لقَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَلقَوْله تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تقبل شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة وَلَا زَان وَلَا زَانِيَة ثمَّ معرفَة الْعدْل تحْتَاج إِلَى معرفَة أُمُور بهَا يتَمَيَّز الْعدْل من غَيره فَلهَذَا ذكر الشَّيْخ لَهَا شُرُوطًا قَالَ
(وللعدالة خمس شَرَائِط أَن يكون مجتنباً للكبائر غير مصر على الصَّغَائِر)
لَا تقبل الشَّهَادَة من صَاحب كَبِيرَة وَلَا من مدمن على صَغِيرَة لِأَن المتصف بذلك فَاسق وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه فَاسق لِأَن الْفسق لُغَة الْخُرُوج وَلِهَذَا يُقَال فسقت الرّطبَة إِذا خرجت من قشرها وَالْفِسْق فِي الشَّرْع الْميل عَن الطَّرِيق وَهُوَ كَذَلِك وَالْمرَاد بإدمان الصَّغِيرَة أَن تكون الْغَالِب من أَفعاله لَا أَن يَفْعَلهَا أَحْيَانًا ثمَّ يقْلع عَنْهَا وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ الْأَغْلَب الطَّاعَة والمروءة قبلت الشَّهَادَة وَإِن كَانَ الْأَغْلَب الْمعْصِيَة وَخلاف الْمُرُوءَة ردَّتْ شَهَادَته وَهل المُرَاد بالادمان السالب للعدالة المداومة على نوع وَاحِد من الصَّغَائِر أم الاكثار مِنْهَا سَوَاء كَانَت من نوع أَو أَنْوَاع قَالَ الرَّافِعِيّ مِنْهُم من يفهم كَلَامه الأول وَمِنْهُم من يفهم كَلَامه الثَّانِي وَيُوَافِقهُ قَول الْجُمْهُور من غلبت مَعَاصيه طَاعَته ردَّتْ شَهَادَته وَلَفظ الْمُخْتَصر قريب مِنْهُ قلت وَمُقْتَضى تَرْجِيحه الثَّانِي أَن المداومة على الصَّغِيرَة لَا تسلب الْعَدَالَة وَلَيْسَ كَذَلِك فقد صرح هُوَ نَفسه فِي غير مَوضِع أَن المداومة على الصَّغِيرَة تصير كَبِيرَة فاعرفه وَالله أعلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute