وللأصحاب اخْتِلَاف فِي حد الْكَبِيرَة وَلَيْسَ هَذَا الْكتاب من متعلقات الْبسط فلنذكر حَدَّيْنِ مِمَّا ذكره الرَّافِعِيّ أَحدهمَا ذكره الْبَغَوِيّ فَقَالَ الْكَبِيرَة مَا توجب الْحَد وَقَالَ غَيره مَا يلْحق صَاحبهَا وَعِيد شَدِيد بِنَصّ كتاب أَو سنة قَالَ الرَّافِعِيّ وهم إِلَى تَرْجِيح الأول أميل يَعْنِي إِلَى مَا قَالَه الْبَغَوِيّ لَكِن الثَّانِي أوفق لما ذَكرُوهُ عِنْد تَفْصِيل الْكَبَائِر قلت وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ الْكَبِيرَة مَا أوجبت الْحَد أَو توجه إِلَى الْفَاعِل الْوَعيد وَالصَّغِيرَة مَا قل فِيهَا الاثم وَالله أعلم قَالَ
(وَأَن يكون سليم السريرة مَأْمُونا عِنْد الْغَضَب محافظاً على مُرُوءَة مثله)
قَوْله سليم السريرة احْتَرز بِهِ عَن سيئها من أهل الْبدع والأهواء
وَلِلنَّاسِ خلاف منتشر فِي تكفيرهم وَإِن كَانُوا من أهل الْقبْلَة وَلَا شكّ أَن مِنْهُم من هُوَ كَافِر قطعا وَمِنْهُم من لَيْسَ بِكَافِر قطعا وَمِنْهُم من فِيهِ خلاف وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع بَسطه وَالْكَلَام فِيمَن تقبل شَهَادَته مِنْهُم وَمن لَا تقبل قَالَ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة من كفر من أهل الْبدع لَا تقبل شَهَادَته وَأما من لم يكفر من أهل الْبدع والأهواء فقد نَص الشَّافِعِي فِي الْأُم والمختصر على قبُول شَهَادَتهم إِلَّا الخطابية وهم قوم يرَوْنَ جَوَاز شَهَادَة أحدهم لصَاحبه إِذا سَمعه يَقُول لي عِنْد فلَان كَذَا فيصدقه بِيَمِين أَو غَيرهَا ثمَّ يشْهد لَهُ اعْتِمَادًا على أَنه لَا يكذب هَذَا نَصه
وَالْأَصْحَاب فِيهِ على ثَلَاث فرق فرقة جرت على ظَاهر نَصه وَقبلت شَهَادَة جَمِيعهم وَهَذِه طَريقَة الْجُمْهُور وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُم مصيبون فِي زعمهم وَلم يظْهر مِنْهُم مَا يسْقط الثِّقَة بقوله حَتَّى قبل هَؤُلَاءِ شَهَادَة من سبّ الصَّحَابَة وَالسَّلَف رَضِي الله عَنْهُم لِأَنَّهُ يقدم عَلَيْهِ عَن اعْتِقَاد لَا عَن عَدَاوَة وعناد قَالُوا لَو شهد خطابي وَذكر فِي شَهَادَته مَا يقطع احْتِمَال الِاعْتِمَاد على قَول الْمُدَّعِي بِأَن قَالَ سَمِعت فلَانا يقر بِكَذَا لفُلَان أَو رَأْيه أقربه قبلت شَهَادَته وَفرْقَة مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَمن تبعه حملُوا النَّص على الْمُخَالفين فِي الْفُرُوع وردوا شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء كلهم وَقَالُوا هم بِالرَّدِّ أولى من الفسقة وَفرْقَة ثَالِثَة توسطوا فَردُّوا شَهَادَة بَعضهم دون بعض فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق من أنكر إِمَامَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ردَّتْ شَهَادَته لمُخَالفَة الاجماع ورد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد شَهَادَة الَّذين يسبون الصَّحَابَة ويقذفون أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَعَن الصَّحَابَة أَجْمَعِينَ فَإِنَّهَا مُحصنَة كَمَا نطق بِهِ الْقُرْآن الْعَظِيم وعَلى هَذَا جرى الامام وَالْغَزالِيّ وَالْبَغوِيّ وَاسْتَحْسنهُ الرَّافِعِيّ وَفِي الرقم أَن شَهَادَة الْخَوَارِج مَرْدُودَة لتكفيرهم أهل الْقبْلَة ثمَّ قَالَ النَّوَوِيّ قلت الصَّوَاب مقَالَة الْفرْقَة الأولى وَهُوَ قبُول شَهَادَة الْجَمِيع فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْأُم ذهب النَّاس فِي تَأْوِيل الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث إِلَى أُمُور تباينوا فِيهَا تبايناً شَدِيدا واستحل بَعضهم من بعض مَا تطول حكايته وَكَانَ ذَلِك متقادماً مِنْهُ مَا كَانَ فِي عهد السّلف وَإِلَى يَوْمنَا هَذَا وَلم نعلم أحدا من سلف الْأَئِمَّة يقْتَدى بِهِ وَلَا من بعدهمْ من التَّابِعين رد شَهَادَة أحد بتأول وَإِن خطأه وضلله وَرَآهُ اسْتحلَّ مَا حرم الله تَعَالَى