للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأصنافه وعدها وَمَعْلُوم أَن أكل المَال بالميسر قد زَاد على كَونه ميسرًا وَلِهَذَا كَانَ أكل المَال بِهِ اكلا بِهِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ أكل بِعَمَل محرم فِي نَفسه فَالْمَال حرَام وَالْعَمَل حرَام بِخِلَاف أكله بالنوع الأول فَإِنَّهُ كل بِحَق فَهُوَ حَلَال وَالْعَمَل طَاعَة وَأما النَّوْع الثَّالِث وَهُوَ الْمُبَاح فَإِنَّهُ وَإِن حرم أكل المَال بِهِ فَلَيْسَ لِأَن فِي الْعلم مفْسدَة فِي نَفسه وَهُوَ حرَام بل لِأَن تَجْوِيز أكل المَال بِهِ ذَرِيعَة إِلَى اشْتِغَال النُّفُوس بِهِ واتخاذه مكسبا لَا سِيمَا وَهُوَ من اللَّهْو واللعب الْخَفِيف على النُّفُوس فتشتد رغبتها فِيهِ من الْوَجْهَيْنِ فأبيح فِي نَفسه لِأَنَّهُ إِعَانَة وإجمام للنَّفس وراحة لَهَا وَحرم أكل المَال بِهِ لِئَلَّا يتَّخذ عَادَة وصناعة ومتجرا فَهَذَا من حِكْمَة الشَّرِيعَة ونظرها فِي الْمصَالح والمفاسد ومقاديرها يُوضح هَذَا أَن الله سُبْحَانَهُ حرم الْخمر قليلها وكثيرها مَا أسكر مِنْهَا وَمنا لم يسكر لِأَن قليلها يَدْعُو إِلَى كثيرها الَّذِي يُغير الْعقل ويوقع فِي الْمَفَاسِد الَّتِي يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع الْعباد فِيهَا وَيمْنَع عَن الْإِصْلَاح الَّذِي يُحِبهُ الله وَرَسُوله فتحريم كثيرها من بَاب تَحْرِيم الْأَسْبَاب الموقعة فِي الْفساد وَتَحْرِيم قليلها من بَاب سد الذرائع وَإِذا تَأَمَّلت أَحْوَال هَذِه المغالبات رَأَيْتهَا فِي ذَلِك كَالْخمرِ قليلها يَدْعُو إِلَى كثيرها وكثيرها يصد عَن مَا يُحِبهُ الله وَرَسُوله ويوقع فِيمَا يبغضه الله وَرَسُوله فَلَو لم يكن فِي تَحْرِيمهَا نَص لكَانَتْ أصُول الشَّرِيعَة وقواعدها وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الحكم والمصالح وَعدم الْفرق بَين

<<  <   >  >>