الدَّار لَا يرجع الدَّافِع بِمَا دفع، إِذْ الْمُدَّعِي يزْعم: إِنِّي آخذ حَقي "، وَاسْتظْهر أَن يكون زعم الْمُدعى عَلَيْهِ مُعْتَبرا أَيْضا فَيكون للْمُدَّعِي حق الرُّجُوع عَلَيْهِ فِي هَذِه الصُّورَة.
وَمَا استظهر يُنَافِيهِ الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول: أما الْمَعْقُول: فَلِأَن مَوْضُوع كَلَام رشيد الدّين فِيمَا بَين أحد المتصالحين وَالْآخر، لَا فِيمَا بَينه وَبَين الْأَجْنَبِيّ، فَلَا يُمكن اعْتِبَار زعم كل من المتصالحين، لتنافيهما.
وَأما الْمَنْقُول: فَلِأَن مَا جَاءَ فِي فَتَاوَى رشيد الدّين مُوَافق لما جَاءَ فِي معتبرات كتب الْمَذْهَب، وَقد نقل صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ نَفسه، فِي الْفَصْل الْعشْرين، عَن الْهِدَايَة مَا ينطبق على مَا فِي فَتَاوَى رشيد الدّين، وَلَفظه: " ادّعى نِكَاحهَا، وَهِي تنكر فصالحته على مَال ليترك دَعْوَاهُ جَازَ خلعاً فِي جَانِبه، بِنَاء على زَعمه، وبذلاً لِلْمَالِ لدفع الْخُصُومَة فِي جَانبهَا. وَلَو ادَّعَت هِيَ عَلَيْهِ نِكَاحهَا فصالحها على مَال يَدْفَعهُ هُوَ إِلَيْهَا لم يجز ". فقد اعْتبر صَاحب الْهِدَايَة، فِيمَا بَين المتصالحين، زعم الْمُدَّعِي، فحين كَانَ الزَّوْج هُوَ الْمُدَّعِي وَكَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الزَّوْجَة صَحَّ الصُّلْح على أَنه خلع، وَحين كَانَت هِيَ المدعية وَكَانَ دَافع الْبَدَل هُوَ الزَّوْج لم يَصح الصُّلْح اعْتِبَارا لزعمها، لِأَنَّهَا لَيست صَاحِبَة حق النِّكَاح حَتَّى يجوز أَخذهَا الْبَدَل اعتياضاً عَنهُ فِي زعمها، فَإِن الْحل وَالْحُرْمَة فِي النِّكَاح عائدان للزَّوْج شرعا، وَلذَا لَو اعْترفت الزَّوْجَة بِطَلَاق، وَلَو ثَلَاثًا، أَو برضاع لَا يلْتَفت إِلَيْهَا (ر: الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، كتاب الرَّضَاع) وَلم ينظر فِي هَذِه الصُّورَة الْأَخِيرَة إِلَى زعم الزَّوْج الْمُقْتَضِي لتصحيح الصُّلْح، بِاعْتِبَار أَنه دفع الْبَدَل لقطع خُصُومَة المدعية وَرفع النزاع، وَذَلِكَ لِأَن الزَّوْج مدعى عَلَيْهِ وزعمه غير مُعْتَبر، وَهَذَا يشْهد بانطباق مَا فِي فَتَاوَى رشيد الدّين على مَا فِي كتب الْمَذْهَب، فَانْدفع بِهَذَا إِشْكَال صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ الْمُتَقَدّم.
وَقد أجَاب الرَّمْلِيّ، فِي حَاشِيَته على جَامع الْفُصُولَيْنِ، عَن استشكال صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ الْمُتَقَدّم بِجَوَاب منقوض غير صَحِيح، حَيْثُ ذكر أَن الْمُدَّعِي فِي تِلْكَ الصُّورَة إِذا دفع بدل الصُّلْح وَأخذ الدَّار لَا يكون هَذَا الصُّلْح فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute