للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال -رحمه الله- أيضاً: هم الملائكة الذين هم عباد الرحمن الذين يدبر بهم أمر السماء والأرض، وأولئك لا يعلم عددهم إلا الله، ولا يعلم صفتهم غيره، ولا يعلم كيف يأمرهم يفعلون إلا هو، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (١).

وقال ابن كثير -رحمه الله-: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، أي: ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى؛ لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط، كما قد قاله طائفة من أهل الضلالة والجهالة ومن الفلاسفة اليونانيين. ومن تابعهم من الملتين الذين سمعوا هذه الآية، فأرادوا تنزيلها على العقول العشرة والنفوس التسعة، التي اخترعوا دعواها وعجزوا عن إقامة الدلالة على مقتضاها، فأفهموا صدر هذه الآية وقد كفروا بآخرها (٢).

ثانياً: أن نسبة الجند إلى الله هي نسبة من جنس الإضافة التشريفية، وقد اختص الله الملائكة بهذه الإضافة الشريفة في القرآن الكريم فكان لها مزية وشرف على غيرهم من الجنود، مع أنهم من خلق الله؛ ولكن لأن الله أضافهم إلى نفسه فقد شرفوا بهذه الإضافة.

قال ابن القيم -رحمه الله-: فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه، ومصنوع إلى صانعه؛ لكنها تقتضي تخصيصاً أو تشريفاً يتميز به المضاف إليه عن غيره .. ، وهذه إضافة إلى إلهيته تقتضي محبته لها وتكريمه وتشريفه (٣).

وقال ابن عثيمين -رحمه الله-: والمضاف إلى الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إما أن يكون أوصافاً؛ أو أعياناً؛ أو ما يتعلق بأعيان مخلوقة؛ فإذا كان المضاف إلى الله وصفاً فهو من صفاته غير مخلوق، مثل كلام الله، وعلم الله؛ وإذا كان المضاف إلى الله عيناً قائمة بنفسها فهو مخلوق وليس من صفاته، مثل مساجد الله، وناقة الله، وبيت الله؛ فهذه أعيان قائمة بنفسها إضافتها إلى الله من باب إضافة المخلوق لخالقه على وجه التشريف؛ ولا شيء من المخلوقات يضاف إلى الله عز وجل إلا لسبب خاص به؛ ولولا هذا السبب ما خص بالإضافة؛ وإذا كان المضاف إلى الله ما يتعلق بأعيان مخلوقة فهو أيضاً مخلوق؛ وهذا مثل قوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩)} [الحجر: ٢٩]؛ فإن الروح هنا مخلوقة؛ لأنها تتعلق بعين


(١) مرجع سابق، (٥/ ٢٣٤).
(٢) تفسير القرآن العظيم، (٨/ ٢٧٠).
(٣) ينظر: الروح، ابن القيم، ص (١٥٤)، بتصرف.

<<  <   >  >>