للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن تيمية -رحمه الله-: لا يعلم أحد منهم الغيب إلا الله. وهذا هو الغيب المطلق عن جميع المخلوقين الذي قال فيه: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦)} (١).

النوع الثاني: الغيب المقيّد: ويمكن معرفة الغيب المقيّد بطريقين:

الطريق الأول مشروع مباح: ومن ذلك ما يعرفه أنبياء الله ورسله عن طريق الوحي، قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧)} [الجن: ٢٧]، وفي قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [عمران: ١٧٩].

ومن ذلك ما أعلمه الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فكانت معجزة له وآية من آيات الله خص الله بها رسوله كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٤٤]، وقال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩)} [هود: ٤٩].

الطريق الثاني منهي محرم: ومن ذلك ما يفعله الجن من استراق للسمع فيلقونه على أوليائهم من الأنس فيخلطون الكلمة الواحدة بمائة كذبة، فيخبرون ببعض الغيب أو يرشدون على المفقودات ويعلمون بأماكنها ونحو ذلك.

فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سأل أناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكهان، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليسوا بشيء» قالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تلك الكلمة من الحق، يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة» (٢).

وعنها -رضي الله عنها- قالت أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الملائكة تنزل في العنان: وهو السحاب، فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم» (٣).


(١) مجموع الفتاوى، (١٦/ ١١٠).
(٢) رواه البخاري، في كتاب الأدب، باب قول الرجل للشيء: ليس بشيء، وهو ينوي أنه ليس بحق، ح (٦٢١٣)، (٨/ ٤٧)، ومسلم، في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، ح (٢٢٢٨)، (٤/ ١٧٥٠).
(٣) رواه البخاري، في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، ح (٣٢٨٨)، (٤/ ١٢٥).

<<  <   >  >>