عونك اللهم وحدك وصلواتك على محمد وآله، الحمد لله ولي الحمد وأهله: أما ما سألت عن صفة القلب وأسمائه، وصفة الصدر وأحواله، وصفة النفس. وصفة إبليس وجنوده، وبيان سلطانه عليها وعللها وشأنها وأحوالها وبدئها، وصفة المعرفة وما في حشوها، وصفة النور ولباسه، وصفة خلق آدم عليه السلام المائة خلق، وصفة جنود المعرفة، وصفة العقل ومعدنه ومجلس قضائه وأعوانه، وصفة مدائن المعرفة، وقراها وأسوارها وعُمّارها، وبيان صفة المعسكر وبيوت الدواوين وخزائن الطاعات ومعادن الحكمة وسجون النفس، وخلقة آدم، وبيان اسمه، وترجمة لا إله إلا الله، وبيان قوله:(ألستُ بربِّكم) ، وتفسير اسم إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، وتفسير اسم إبليس واسم فرعون، وتفسير قوله:(الله نور السماوات والأرض) . وتفسير شجرة الزيتون، وتفسير شجرة طوبى. فهذه ثلاثة وثلاثون مسألة ولها غور بعيد لا يمكن استقصاؤها لبعد قعرها، وسنذكر منه ما يفهمه ذو اللب، فإن الفؤاد أول مدينة من مدائن النور، وللنور سبع مدائن: أولها: الفؤاد ثم الضمير ثم الغلاف ثم القلب ثم الشغاف ثم الحبَّة ثم اللباب.
فالضمير قلب الفؤاد، والغلاف قلب الضمير، والقلب قلب الغلاف، والشَّغاف قلب القلب، والحبَّة قلب الشَّغاف، واللباب قلب الحبَّة وهو معدن النور، فهذه سبع مدائن بعضها في بعض. ولكل واحدة منها باب، ولكل مفتاح، وعلى كل باب ستر، وبين كل واحد وواحد حائط، ومن وراء كل حائط خندق.
[صفة الأبواب]
أما باب الفؤاد فمن نور الرحمة، وأما باب الضمير فمن نور الرأفة، وأما باب الغلاف فمن نور الجود، وأما باب القلب فمن نور المجد، وأما باب الشَّغاف فمن نور العطاء، وأما باب الحبَّة فمن نور الألوهية، وأما باب اللباب فمن نور العطف، وأما نور العطف فمن نور القربة، ونور القربة من نور الشفقة، ونور الشفقة من نور الإرادة، ونور الإرادة من نور نور الإرادة وهو نور المحبة، ونور المحبة من نور المنة، وهو علم دقيق لا يمكن فحصه.
[صفة الستور]
فأما ستر الفؤاد فالجمال، وأما ستر باب الضمير فالجلال، وأما ستر باب الغلاف، فالسلطان، وأما ستر باب القلب فالهيبة، وأما ستر باب الشُّغاف فالقدرة، وأما ستر باب الحبَّة فالعظمة، وأما ستر باب اللباب فالحياء، والحياء من ستر الملك.
[صفة المفاتيح]
فأما مفتاح باب الفؤاد فالإقرار، وأما مفتاح باب الضمير فالتوحيد، وأما مفتاح باب الغلاف فالإيمان، وأما مفتاح باب القلب فالإسلام، وأما مفتاح باب الشُّغاف فالإخلاص، وأما مفتاح باب الحبَّة فالصدق، وأما مفتاح باب اللباب فالمعرفة.
[صفة الصدر]
فأما الصدر فإنه مصدر الأمر ومعدن المشورة والقضاء ومجلس الملك وهو العقل، وهو ربض المدينة وما والاها.
وللمدينة فيه أربعة أبواب؛ شارعة إليه وهو ميدان عظيم ومجلس بهي فيه قناديل الرحمة، ومصابيح النور تزهو فيه من النور الذي في القلب، وشموع لواحة تبرق بضوئها ونورها، من ذلك ما روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وما روى الربيع عن أُبَي بن كعب في قوله عز وجل:(الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة) ، قال المصباح النور والزجاجة القلب والمشكاة الصدر، فكما دخل هذا المصباح في الزجاجة فأضاء فكذلك أضاء الصدر ثم نزل الضوء من الكوَّة وهي المشكاة، فكذلك نزل النور من الصدر فأضاء الجوف كله وهو النفس، وقال (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) ، وفيه معادن ودرجات ومحاصل من قوله:(وحصل ما في الصدور) وفيه ساحة لطي الملك ومعسكره، وموضع قضائه، وتزيين العمال، ومحشد الجيوش، وبحث الجنود وستور الرحمة، وله سبع حيطان وسبع خنادق.
[صفة الحيطان والخنادق]
فأما حيطانه فله سبعة حيطان حوله ما بين كل حائطين منها خندق، فأما الحائط الأول وهو الذي بينه وبين النفس فهو الاستعاذة، والثاني: من الذكر، والثالث: من الاستنصار، والرابع: الاستغاثة، والخامس: المجاهدة، والسادس: من التوكل، والسابع: من التسليم.
وأما خنادقه: فالظفر، والذكر، والعون، والنصرة، والهداية، والحسبية، والنجاة.