فذلك أن الله تعالى حيث أهداها إلى آدم عليه السلام يوم أهداها غرسها في تلعة من الأرض، ولم يكن يومئذ حيطان تواري عن الشمس ولا ظل وكانت الدنيا فيافي وبراري، أهدى الله حبَّة من حبَّات ثمرة شجرة طوبى حين تاب عليه، وقيل يا آدم: إن فيك داعية تدعوك إلى جوهرها ولا بد لك من اتباعها وهي جوهرة التراب وهي التي دعتك إلى أن أخرجتك من الجنة، وأسكنتك الأرض، فهي كما دعتك من الجنة إلى أن أخرجت من جواري وأسكنتك جوهرها وهي الأرض فهي لا تدعك أن ترجع إلى جواري وداري لأنها تحب جوهرها وتطمئن إليها وهي الأرض، وتنسيك الآخرة فرحمتك يا آدم وزوّدتك بهذه الجنّة، فإنها في الجنّة، لتكون داعية لك إلى جوهرها؛ وهي الجنة، كما أن جوهره الترابي يدعوك إليها وهي الأرض فخذ هذه يا آدم واغرسها فغرسها فلما نبتت واستغلظت وأخرجت شطأها فازدهرت واستوت على ساقها، أعجب آدم عليه السلام نباتها وكانت إذا طلعت الشمس طلعت عليها وإذا غربت عنها فأينعت وازدهرت وأورقت واخضرت وتسنبلت وأثمرت وأخرجت على كل ورقة منها سمة منقوشة بالسورية لا إله إلاَّ الله، فلما نظر إليها آدم عليه السلام أعجب بها، وقال ليتني أعرف اسمها، فقيل له: يا آدم هذه شجرة الزيتون، وهي من شجرة طوبى، قال: يا ربّ ولِمَ سميتها شجرة الزيتون وهي من شجرة طوبى، قال: لأني زودتك بها يوم تبت عليك فالزاي زاي الزاد، والياء ياء اليوم، والتاء تاء التوبة، قال: يا رب فما الواو الذي فيها؛ قال: تلك علامة السمة التي وسمت بها أمها وهي طوبى فأخرجت هذه تلك السمة، قال: وما سمتها، قال: سمة طوبى أني أنا الله، وسمة هذه هذا المنقوش على أوراقها وهي لا إله إلا الله، قال: فما هذا النون في عقبها؟ قال: ذلك علامة النور الذي وضع فيها، فإن فيها نوراً نضيء منه، وهو الذي قال:(يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) .
رجعنا إلى ما كنا فيه فشبه دهن شجرة القلب: وهي المعرفة؛ بدهن شجرة الزيتون التي؛ لا شرقية ولا غربية، وهي التي غرسها آدم عليه السلام يومئذ، يقول: فكما أن الزيتونة إذا كانت بتلك الحال تكون أجود لثمرها وأحسن، كذلك يكون ثمر شجرة المعرفة، أحسن وأجود إذا كانت لا شرقية ولا غربية، فشمس الزيتونة شمسنا هذه وشمس شجرة المعرفة نظر الله الجميل إليها كل يوم بكرة وأصيلا، وليس فيما بينه وبينها شيء يمنعه عن النظر إليها، وذلك أنه إذا كان بين نظره وبين الشجرة هوية أو ذنب أو شيء لم يقع النظر على الشجرة، وبين الشمس وبينه حائط أو ستر لم تقع عليهما الشمس، وبقيت تحت ظل الحائط فسقمت وذبلت وتناثرت أوراقها واصفرت وتغيرت عن حالها، وما أخرجت من الثمار أخرجته نكدا لا بذاقة لها، وخبّ عليها اليبس؛ ولذلك قيل أن الزيتون لا يستقر في بطن المنافق حتى يقيء ولا يطيق أكله إلاَّ كل مؤمن طيب؛ لأنه من طوبى، وطوبى من الجنة ولا يستقر ثمر الجنة في بطن المنافق.
أما تفسير شجرة طوبى التي الزيتونة منها وتفسير سمتها والبركة التي فيها