فإن الله تبارك اسمه لمَا أراد أن يغرس شجرة طوبى خلق جوهره ثم سقها فاستخرج منها حبّ ثم شقها فحشاها بالبرد والبركة والبهاء وطواها في لباس الرحمة ووسمها بسمته إني أنا الله لا إله إلاَّ أنا، ثم هيا لها مغرسا في متوسط الجنان وميدانها ومجالسها فنثر المسك والورس وأخذها بيده يوم الأحد فغرسها فيها، فنبتت من ساعتها، وأخرجت شظاها، وأورقت واسودت على ساقها، واخضرت وازدهرت وأعينت واغصوصنت مائة غصن عدد درجات الجنة في كل درجة منها غصن من ياقوته حمراء، وأصله من جوهرة صفراء، وأوراقها من زمردة خضراء، وثمارها على صفاء اللؤلؤ، وبياضها أطيب من المسك وأحلى من العسل تؤتي أكلها كل ساعة ما شاء الله حللا وطيبا وثمارا وجواري وغلمانا، منقوش على كل ورقة منها كلام بالعربية إني أنا الله لا إله إِلاَّ أنا رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يؤمنون بي ويصدقون محمدا خاتم الأنبياء فلما نظر الجليل إليها رضى بها، وباهى بها على الأشجار والثمار، وقال رحمتي عليك ونظري إليك إني أنا الذي خلقتك، إني أنا الذي ربيتك: إني أنا طويتك في لباس الرحمة، إني أنا الذي وسمتك سمتي التي عليك، إني أنا الذي باركت عليك وحشوتك بالبر والبهاء والبركة، إني أنا الذي غرستك بيدي فأنت غرسة يدي ومختارة خلقي من بين الأشجار قد شققت لك اسماً من صنعي بك، بما حشوت فيك؛ فأنت طوبى يا طوبى، قال: فالطاء طاء الطي حيث طويتك من الرحمة، والواو واو السمة حيث وسمتك بسمتي، والباء باء البر والبركة والبهاء التي حشوتك بها، والياء ياء اليد أي بيدي غرستك، فكل حرف من اسمك دليل على صنعي بك، وعلى ما ما حشوتك به من نظري لك، وطيّ لك بالرحمة، وحشوي لك بالبر والبركة وغرسي لك بيدي، فيا طوبى لمن نالك، ويا طوبى لمن نظر إليك واستظل بك، أضنّ بك على خلقي؛ إلا على من يقرّ بي على إقرار توحيدي، إني أنا الله لا إله إلا نا، وقد قيل، إن الأشجار ثلاثة: شجرة الزيتونة في الأرض، وشجرة طوبى في الجنة، وشجرة المعرفة في قلوب المؤمنين، فكل حرف من هذه الأسماء يدل على نفسها وصنع الله لها، فشجرة الزيتونة اسمها الزيتونة وهي كما ذكرنا، وشجرة طوبى اسمها طوبى كما ذكرنا، وشجرة المعرفة اسمها الطيبة كما قال تعالى (كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) فالتي في الجنة طوبى، والتي في قلوب العباد طيبة؛ فتلك أربعة حروف، وهذه أربعة أحرف، ألا أن فيها واواً زائدة، وفي هذه هاء زائدة، وهناك الباء قبل الياء، وهنا الياء قبل الباء، وهذا تدبير وتقدير من العزيز العليم، فهمه من فهمه، وجهله من جهله، وسنذكر منه ما يستدل أولو العقل من الناس. أما الطاعة فطاء الطاعة، وأما الياء فياء اليد، وأما الباء فباء البيعة، وأما الهاء فهاء هو فإذا جمعت بين حروفها دل على أن الخلق بها أطاعوا ربهم، وليد الله بايعوا وبها أطاعوا، وبها بايعوه، وذلك أن الله تعالى لما أراد أن يأخذ عليهم الميثاق ويشهدهم على أنفسهم، ويبايعهم على أنهم لا يطيقون أن يبايعوا يده حجراً أخرجه من الجنة فبايعوه به فسماها الله شجرة طيبة لذلك، ومن ذلك قيل الحجر يمين الله في الأرض.
[تفسير قوله عز وجل: ألم]
قد تكلم الناس في ذلك حتى أكثروا، وحتى ذكرنا بعض ذلك في صدر كتابنا هذا ولكن في الجملة نذكر منه ما يحتمله قلوب الخلق ويكون لأنابهم مساغاً، أن حشو الألف الوحدانية والربوبية والفردية والألوهية وأسمائه وصفاته الذاتية فجميع ما يخرج من هذا النوع إنما يخرج من الألف وهو الله، وحشو اللام اللطيف والبر والإحسان والعفو والرحمة والصفح وما يشبهها يخرج من اللام وهو اللطيف، وحشو الميم الملك والقدرة والجبروت والسلطان والقهر والعذاب وما يشبهها يخرج من الميم وهو الملك وفي بيان ما قلنا شفاء لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وعمى لمن جعل الله صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء.