فإن المشكاة الكوة، والبيت الصدر، والمصباح السراج، والمصباح الآخر الفتيلة، والزجاجة نايزق القنديل، والزجاج الآخر نفس القنديل، ووقوده من دهن زيت لا شرقية ولا غربية بلا نار، وهو الصدر والمصباح المنسوب إلى الفتيلة اللسان والزجاجة المنسوبة إلى النايزق الحلق، والزجاجة المنسوبة إلى نفس القنديل القلب، وأم الوقود الذي ذكر أنه من الزيتون هو المعرفة، وأما الماء الذي هو تحت الدهن فهو ماء الرحمة.
[وأما تفسير القلب]
حيث سماه بالزجاجة من جميع الأشياء والجواهر وإنما شبه القلب بالزجاجة لأن الزجاجة جوهرة أصلها من النور واستعمالها بالنور، وهي النار فلما اجتمعا ودخل سلطان النار فيها ازدادت نوراً وضياء، ويبست من سلطان حراريتهما حرارة النار وحرارة النور وضعفت ورخوت فمهما أصابتها يد الآدميين انكسرت من غلبة سلطان النار وحرارته عليها ولذلك قال: حكيم من الحكماء إنما شبه الله قلب المؤمن بالزجاجة لأنها سريعة الانكسار بطيئة الانجبار أي إذا انكسرت لا تقبل الجبر ولا تصلح حتى لا تصيبها النار فسماها لضعفه وسرعة انكساره وشدة نوره وضوئه للزجاجة التي وصف.
[وأما تفسير القلب]
حيث شبهه بنوره وضوئه ودريته بغير نار بالكوكب من بين الأشياء الدريات وإما شبَّه بالكوكب لأن الكوكب من المور ولباسه من النور، وهو معلق من السماء يضيء لأهل الأرض من مسيرة خمسمائة عام وأكثر بغير نار بالنور الذي هو جوهره والنور الذي هو لباسه، فشبه قلب المؤمن بضوئه ونوره وضوء المعرفة التي فيه من الأرض لهل السماء بغير نار بالكوكب الذي يضيء لأهل الأرض من السماء بغير نار، فقال كأنه كوكب دري، وكما أن القنديل يعلق بالهواء بحبل، والكوكب معلق في السَّماء، كذلك القلب معلق في السماء وسماؤه العرش وحبله الإيمان وهو الإقرار به.
وأما تفسير قوله:(يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار)
قال؛ أما شجرة الزيتون فإن أصلها ومنبتها من شجرة طوبى التي هي في الجنة أهداها الله لآدم يوم تاب عليه وزوده بها وسماها باسم سوى اسم طوبى، وهو الزيتون، ولكنه بلطفه وحكمته غير حروفها وأبدل كل حرف منها بحرف آخر، وختمها بحرف زائد ما ليس فيها وهي النون من الزيتون، وذلك أن طوبى أربعة حرف طاء، وواو، وباء، وياء، وزيتون أربعة أحرف أيضاً: زاي وياء وتاء وواو وزيادة حرف في آخره وهي النون.
[وأما تفسير الزيتونة]
فإنها في الحروف خمسة أحرف كما ذكرنا، وهي الزاي والياء والتاء والواو والنون وكل حرف منه يدل على فعله وما في حشوه، فالزاي زاي الزاد، والياء ياء اليوم، والتاء تاء التوبة، والواو واو السمة حيث وسم الله تعالى شجرة طوبى حين غرسها، ولها قصة نذكرها في بابها إن شاء الله؛ النون نون النور فإذا جمعت بين حروفها المتفرقة دلل على أن الله عز وجل زود آدم عليه السلام بها يوم تاب عليه، والنون علامة النور في الزيتونة، ودلالة على أن فيها نوراً يضيء القنديل بنوره من غير نار، كما قال:(يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) ، هاهنا تم الكلام. ثم استأنف الكلام:(نور على نور) أي لأن الزيتون نور على نور الزجاجة وهي القلب، والزيتونة المعرفة، يقول: كما أن دهن القنديل من شجرة الزيتونة، كذلك دهن القلب من شجرة التوحيد، وشجرة التوحيد هي التي ذكرها الله في القرآن (مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة) ، وهي التوحيد أصلها ثابت في قلب المؤمن وفروعها في السماء وهو العرش (تؤتي أُكلها) يعني ثمرها كل حين كل ساعة بإذن ربها، نقول لا تثمر إلاَّ بأمر ربها.
[أما تفسير قوله: مباركة]
فإن قصتها في ذكر قصة طوبى، وسنذكرها في موضعها إن شاء الله مع سمتها التي ذكرنا.