فإن الله لما أراد أن يخلق آدم عليه السلام جمع وجه أديم الأرض في الموضع الذي أراد أن نتخذ منه البيت وهو الكعبة، ثم رفع تربتها منه وعجنها بماء الرحمة، ثم جعل فيه نور المعرفة، وامتزج بها ماء الرحمة، ثم جعل فيه نور المعرفة كالخميرة، ثم خمرها ووضعه أربعين يوماً حتى نشف فيها نور المعرفة، وامتزج بها ماء الرحمة، وخرج ونزع ما كان في باطنها إلى ظاهرها من النور والبهاء ثم فتح خزائن الصور فاختار أحسن صورة فرفع مثاله وصورته منها ثم رفعها فصور منها آدم عليه السلام على أحسن صورة، ثم نفخ فيه من نور الحياة فأحياه بالنور وحركه بالنفخ، والنور الروح وهو روح الحياة فإن للروح حياة فلم تدب الروح في جسد آدم عليه السلام ولم تمد عروقه منه حتى قذف الله المعرفة وهو اصل النور الذي كان وضع في آدم عليه السلام حيث خمر طينته به فلما التقى نور المعرفة والمعرفة في القلب انتشرا وابتهجا واقتربا حتى اتصلا، فلما اتصلا حتى تعارفا فلما تعارفا عرف النور المعرفة والمعرفة النور إذ كانا متصلين في البدء في مكان واحد عند الملك الأعلى منتصبا بين يديه فاجتمع نوراهما على القلب وسطعا بنوريهما فأنارا القلب وأضاء في سلطان النور وسطع منهما شعاع إلى العرش فوقف بين يدي الجليل فأتبع القلب بصر عينه حتى انتهى منتهى الشعاع فشاهد المعرفة وأبصر الجلال وحجب إليها فالتقى نور المعرفة ونور الشعاع وهو نور المعرفة والمعرفة بنفسها، فعرف ربه فلما أذن له بالكلام أتى بما كان عاين وشاهد وعرف فقال: لا إله إلا الله فلما التمس الروح المنقذ والسبيل للخروج إذ ضاق به ذرعاً في الكون في موضع مضيق كريه هائل وقد كان مخلي عنه في ساحات الملكوت فلم يجد السبيل اضطرب فنظر إليه الرب نظرة حتى خر نار تعد من هيبة سلطانه فسكن فخرج التنفس منه ثم استقر، فقال الحمد لله فلما أخرج ذريته منه نالهم ذلك النور الموضوع في أبيهم يوم التخمير بالجصص فصار لكل منه حظ على قدر ما كان في القضاء في سابق علمه فمن كان في سابق علمه أنه لا يؤمن لم يؤيده بالمعرفة ولم يمده بها وتركه على ذلك النور الذي جُبل عليه أبوه آدم عليه السلام فلم يعرف ربه لأنه لم يقذف إليه المعرفة ليعرف النور المعرفة والمعرفة النور فيعرف صاحبها ربه وعلمه أن سألته عنه ولم يعرفه ومن ذلك قوله:(فطرة الله الذي فطر الناس عليها) ، وهو النور نور المعرفة، وقوله:(ولئن سألتهم من في السماوات والأرض ليقولن الله) ، ومن كان في سابق علمه أنه يؤمن أمده بالمعرفة وقذفها إليه فالتقيا وتعارفا وسطع نوراهما إلى الملك فدلا صاحبهما على ربه فاتبع القلب بصره إلى ما سطع فوحدهما بين يدي الجليل في نور القربة فعرف العبد ربه، فمن ذلك قوله تعالى:(أفمن كان على بينة ربه) ، وهو نور المعرفة ويتلوه شاهد منه وهو المعرفة وإنما جمع تربته في موضع الكعبة كان في سابق علمه أن يتخذها لهم قبلة.
[وأما المعرفة]
فأنه سئل أفعل الله هي أم فعل العبد، قال: المعرفة هي من العْبُد والمنسوبة إليه وبها يصير محمودا عند ربه وبخلوه عنها يصير مذموما ولكن السبب الذي به يصل العْبُد إليها خمسة أشياء، وهن لسن إليه ولكن محمود عند ربه باستعمالها ومدرك ربه معرفة وبه وهن: الفهم والذهن والذكاء والحفظ والعلم، وهو ذكر الفطرة وهن من الله لعبده وليس إلى عبده منهن شيء ولكنه محمود باستعمالهن مذموم بترك استعمالهن.