فنظر أولو العقول من الناس، فقالوا إن هذه الفرق التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم قد ظهرت وكل تدعي على أنها هي الجماعة، وكل على ما هو عليه فخرج مستبشر، كما قال الله تعالى في كتابه:(كل حزب بما لديهم فرحون) ، قال: معجوبون وكل فرقة قد سمّت صاحبتها باسم من أسماء ألاّ هو المضلة المروية المنسوبة إلى النار، فتاه أولو العقول في ذلك، وخافوا على أنفسهم أنهم في بعض منها، وأنهم لا يعلمون فجاروا إلى الله متضرعين خائفين فقالوا:(إياك نعبد وإياك نستعين) ، يا ربنا على عبادتك اهدنا نقول عرفنا يا رب طريقك المرضيّ ومنهاجك الواضح من بين هذه الطرق والسبل فإنهم يدعوننا إليه، ونحن لا نعرف أهي طريقتك أم لا، الصراط تقول الطريق المستقيم الذي ترضاه لنفسك وميزته بحكمتك من بينها؛ صراط الذين أنعمت عليهم وهم أهل الصلاح والأولياء، غير المغضوب عليهم، غير طرق اليهود، ولا الضالين، ولا طرق النصارى، وهي الأهواء، الاثنان والسبعون، فإنها قد فشت في هذه الأمة فلو أن واحداً منها أخذ بواحدة منها أخذ بشعبة من تلك الأهواء النصرانية، فقولوا: اهدنا، يقول: عرفنا على ليس ما ذهب إليه الناس من الهدى، فإن الله قد هداهم ومحال أن يسأل الشيء الذي قد أعطى وذلك في اللغة جارية أن يقال أتهدي منزل فلان أي أتعرف، ومثال ذلك في الدنيا لو أن رجلاً حباه الله ببدرة من دنانير من غير سؤال، ولا تعرض فنسي الرجل البدرة وتقدم إليه يسأله بدرة من دنانير، فما ظنك به أليس يهان ويطرد، ويقال أليس قد أعطيناك أمس ما تسأل اليوم فأنت كفور جهول فحرم العطية ويغلق دونه باب الملك فلو كان هذا لاستنكر بملوك الدنيا ويقبح عندهم إذن لهو أقبح عند الجليل الجميل، ومثال الكلام الأول أن القوم خافوا على أنفسهم اشتباه الطريق عليهم فاستعرفوا الله المرضيّ من بينها كرجل دعاه الملك إليه على طريق يرضاه الملك أن يأتي إليه في ذلك الطريق ومن منزل الرجل إلى الملك مسافات وجبايات وطرق مختلفة على عدد الاثنين والسبعين فرقة، وعلى طريق منها دال يدله على الطريق ويزعم أن الطريق المستقيم الذي يرضاه الملك ويجب أن يؤتى إليه فيه هذا ويحتج ويبين ويريه العلائم والشواهد فينتبه الرجل ويقول، إن محبوب الملك من بين هذه الطرق طريق واحد، وإن كل واحد من هؤلاء يزعم أن الطريق الذي هو عليه هو المرضيّ المختار، وكل يدل بالحجج والشواهد فيتفكر الرجل في ذلك، ويقول لا أرى حيلة على وجود تحري مسيرة الملك في الإتيان إليه على سبيل يرضاه الملك ويختاره إلاَّ بكتاب من عندي إليه أستهديه محبوبه ومختاره من هذه الطرق وأستعرفه ليعرفني ويهديني إليه فإني قد تهت ولا أدري في أيها أسلك فاكتب إليه وأستعرفه، فقال: عرفني أيها الملك طريقك المستقيم لأسلك فيه إليك فقد اشتبه عليّ الطرق، فيقال له أي صراط تريد، فيقول صراط الذين أنعمت عليهم، مننت عليهم بأن عرفتهم طريق الرشد من طريق الغي بعد ما تاهوا فيه كما تهنا، فيقول لهم يعنون طريق اليهود ابتلاء واختباراً، فيقولون: غير طريق من غضبت عليهم وهم اليهود، فيقول أفطريق النصارى، فيقولون: ولا طريق الضالين وهم النصارى، وهم أصحاب الأهواء، فاستجاب لهم ربهم فقال (ولا يزالون مختلفين إلاَّ من رحم ربك ولذلك خلقهم) ، فقالوا: فأي سبيل سبيلك، فقال: قل يا محمد (هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) ، فقالوا أي سبيل هذه قال:(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) ، قالوا على أي سبيل قال:(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم) ، قالوا: وما ذاك، قال:(وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبيل فتتفرق بكم عن سبيله) ، قالوا أي صراط هذا، قال:(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) ، ولذلك قال: لداود عليه السلام، يا داود لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالأهواء فيصدك عن طريق محبتي أولئك قطاع طريق عبادي المريدين إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة الإيمان من صدورهم، فبين الله سبيل مرضاته من بين تلك الأهواء والسبل لعباده المريدين والمتحرين لمرضاته طريق الرشد في أي من القرآن ويدلهم إلى الاقتداء بالأئمة الصالحين والتمسك بأخلاقهم وسبيلهم ما وافق كتاب ربهم فإن في موافقة الكتاب