للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليها في أنهارها فتشابكت أشجارها لما نزع ماء الرحمة وسلب وأبدل مكانه الكفر، قيل له وما أصل السباخ والبر، وكيف أصل خلقها، وبدو أمرها وغلبتها على الماء في أنهارها، بين لنا رحمك الله؛ قال: إن النفس نفسان، نفس باطنة، ونفس ظاهرة، فأما أصل خلقة النفس الباطنة فمن موطئ الشيطان وتحت قدمه وأثره. وأما النفس الظاهرة فمن خطوته وبين موطئه وهي ممدودة مبسوطة من النفس الباطنة إذا كانت الخلقة هي الأس والبينة فهي كالقائمة الظاهرة، والظاهرة مخلوقة عليها مركبة مفروزة فيها فلما عرف اللعين ذلك كله من نفس آدم عليه السلام علم أنه سيظفر عليه إن احتلج إلى ذلك إذ وجد نصيبه فيه قائماً فلما أمر بالسجود نظر فوجد نصيبه في آدم وهو النفس فأبى وتكبر ووجد اللعين ذلك في نفسه من نفسه فاتفقا فأبى وعتا وتكبر فلعن وطرد فلما أسكن آدم عليه السلام الفراديس تفكر اللعين في أمره وأمر آدم عليه السلام إذ لمن في جنبه فهاجت إبليس بحور الحسد مياها وأزبدت وامتدت فسألت منها عليه أودية فاغتراف من ذلك بالقياس والحيلة على ما ينغض على آدم عليه السلام ما نال من النعيم وما يسلبه تلك الكرامة، وبما يهلكه فاغتنم بالشجرة التي نهي الله آدم عليه السلام عنها فاحتال حتى وجد عليه الفرصة من ذلك الوجد فلما قال لآدم عليه السلام ما قال وأشار عليه بالأكل تفكر آدم عليه السلام في نفسه فهاجت منه مياه النور والرحمة والنور والعلم وامتدت فاغترف آدم عليه السلام منه الحكمة والنظر والتدبير بالأخذ إلى ما أشار وبالانتهاء عنه فكان مرة يأتي على قبله أن لا ومر أن أذن فانتهى آدم عليه السلام يشاور في ذلك فسبق اللعين إلى القسم بالغرور تصديقا على ما أتى على ما قلب آدم عليه السلام من الدنو إذ كان ذلك من النفس الباطنة التي هي من موطئ اللعين فحرضه عليه وندبه إليه وردَّ ما أتى على قلبه من الانتهاء وذلك أن الذي نهاه عن ذلك كان الحكمة والعلم الذي ندبه إلى الأخذ كان من النفس الباطنة موافق اللعين وكان سأل ربه أن يعطيه السلطان ليجري منه مجرى الدم في عروقه فأعطاه ما سأل إذ كان موطئه في آدم عليه السلام قائما وهو النفس إذ سأل ربّه المجرى في دعوته والسبيل إلى حظه وهو أصل خلقه آدم عليه السلام إذ جبل من أثر تراب قدمه وموطئه فصار ذلك وراثة في ولده فهو يجري منهم مجرى الدم ومن ذلك حرم الدم المسفوح لما جرى مجرى اللعين والدم في مجرى واحد في العروق وذلك أن اللعين يحبس فينحبس الدم الطيب في العروق الطيبة بنجاسته لجريهما معا في مجرى واحد فإذا أراد اللعين أو بعض أعوانه أن يدنو من ابن آدم وجدت النفس الباطنة ريحه فعرفته وإذا دنا منها حست أثره وعلمت أنه قد دنى فرحت وابتهجت واشرأبت شوقا إليه إذ لقي بعض العضو بعض عضوه والحب حبه واهتشت لرؤيته وانتشت للقائه وازدهرت للدنو إليه وانتشرت وسرت ودخل الشيطان يجري في العروق فعرق من شدة السرور والابتهاج والدبيب في ضيق المجاري فامتزج عرقه بمياه الرحمة التي تجري في مجاري العروق وتلطخت نجاسته في مجاري عروقه فتكدرت المياه والدماء من نجاسته وعرقه وبجريه وغمامه ودخانه وعجاجته وظلمته وكثرت وامتدت وكلما كان جريه فيها أدوم وأدأب كانت العروق بما فيها من مياه الرحمة أكدر وأثقل حتى تتكدر وتتحمأ وتفور من ضفة الأنهار وهي العروق فإذا طال ذلك بها ودام أزبدت واحمرت وأسبخت وتسلفت الكدورة والثقل فسدة أفواه المجاري وانبثقت من كثرة الكدورة وسرة السباخ والزبد وخشنت العروق فلم يجد الماء السبيل إلى المجرى فركدت المياه فيها فإذا ركدت اجتمعت المياه وفارت فوق الضفة فأصابت السباخ والزبد الذي على الضفة وامتزجت بها فإذا طال ذلك بها ودام انكسرت البثور والسدد من كثرة الماء وتطرقت وذهبت حفاير ندما وسبختها ونجاسته فإذا جرت إلى الأشجار اصفرت الأوراق ويبست الأشجار "وذبلت الطرية الغضة وتقبضت وانزوت الثمرات" ومررت الحلو الطيب وفسدت اللذيذة وذبلت المزدهرة المونقة وشاكت الأشجار بما فيها من سلطان الهوا والكفر وذلك أنها إذا طال ذلك بها ولم يعالج صاحبها إصلاحها بالمجاهدة على إخراج اللعين وطرده وغضب الجليل سبحانه على صاحبه فسلبه ماء الرحمة ونور المعرفة وأبدل مكانهما الكفر فتجري مياه الكفر والهوا مع اللعين في المجاري فإذا جرت إلى الأشجار شاكت الأشجار من

<<  <   >  >>