وأصبح نفر من المسلمين يذهبون إلى بلاد غير إسلامية، ويقيمون فيها لحاجاتٍ دعتْ لذلك، ولا بأس به إن دعت مصلحةٌ للمسلم في ذلك ـ على تفصيل مذكور في كتب الفقه ـ، وقد دخل الصِّدِّيقُ رضي الله عنه في جوار ابن الدغنة ـ وهو سيد في قومه ـ.
وهذا البحث الذي بين يديكَ ـ أيها القارئ الكريم! ـ والذي كتبه أخونا الباحثُ المحقِّقُ الشيخُ عبد الحق التركماني حفظه الله؛ يتناول موضوعَ دخول المسلم وإقامته في ديار غير المسلمين، وقد بيَّنَ فيه ـ وفَّقه الله ـ الآثارَ المترتبة على الدخول في أمان غير المسلمين، واستدل على ذلك بأدلة من القرآن الكريم وما صحَّ من سنة النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم -، فجاء بحثه بذلك موافقًا للأدلة الشرعية، مفيدًا في بابه في هذا العصر لوجود عدد من المسلمين في ديار الكافرين.
وأودُّ هنا أن أشير إلى بعض المسائل المهمَّة الموجودة في هذا البحث، والتي يجب على من يعيش في غير ديار المسلمين معرفتها، وهي: تحريم خيانتهم والغدر بهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وأنهم يملكون أموالهم ملكًا صحيحًا، فلا يجوز للمسلم أن يستولي على أموالهم إلا بوجهٍ أذن فيه الشرعُ، وعليه؛ فمجرد الكفر لا يُبيح مال الكافر، والأدلة على ذلك متضافرةٌ، وقد كان المشركون يُودِعون أماناتهم عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يحدث أن خانَهم، أو غدر بهم - صلى الله عليه وسلم - مع شدَّة عداوتهم له. كما أنه تجوز معاملتهم بسائر المعاملات المباحة من بيع وشراء وهبة وقرض.
ومما أرى التنبيه عليه هنا: أنه يجب على المقيم من المسلمين في بلاد الكافرين عبوديَّة ربِّ العالمين كما شرع في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالعبودية لا تنفكُّ عن المسلم بحالٍ في أيِّ زمانٍ ومكانٍ طالما أنَّه قادر على القيام بما أوجبه الله عليه.