للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأثر التاسع:

أنَّ المسلمَ المقيمَ في بلاد الكفَّار ينبغي عليه أَنْ يُعاملهم بالحسنَى ويَدْعُوَهم إلى الإسلام، ويتألَّفَهم بموافقتهم في غيرِ ما حرَّمه الله تعالى، ولا يرتكبَ ما يحملهم على النُّفْرة من الدِّين الحقِّ، ولا يُثيرَهم بتصرُّفٍ يحملُهُم على إيذائه والإضرارِ به

إنَّ أول ما يجب على المسلم المقيم في بلاد الكفَّار أن يعلمَ أنَّه في ساحة الدعوة والتبليغ، لا في ميدان الحرب والقتال، وفرقٌ كبير بين الحالين، وهو فرقٌ واقعيٌّ مؤثِّرٌ في الأحكام الشرعية، إذ لكلِّ مقامٍ مقال، ولكلِّ حالٍ أحكامُها المتعلِّقة بها، فمن لم يدرك هذا، ولم يتصرَّف بمقتضاه؛ فقد خرج في هذا عن حدود الشَّرع والفطرة والعقل.

فالواجب في مقام الدَّعوة إلى الله تعالى بذل الجهد في تبليغ دين الله تعالى بالحجة والبرهان، وبالرِّفق والإحسان، وحُسْن الخطاب، والحرص على هداية المخالفين وإرشادهم إلى الدِّين الحقِّ، والصَّبر الجميل على أذاهم، ومقابلة إساءتهم بالعفو والصَّفح والسَّماحة والدُّعاء لهم بالهداية والإصلاح.

هكذا كانت سنةُ المرسلين عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم، وبها أمر الله تعالى خاتَمَهم وإمامَهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم -؛ فقام في قومه والنَّاس جميعًا بخير ما قامَ نبيٌّ في قومه من الدَّعوة والبيان والرِّفق والرَّحمة والإحسان.

قال الله عزَّ وجلَّ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩].

وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: ٨٥].

<<  <   >  >>