للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - مشروعيَّةُ مَنْحِ الكفَّارِ الحربيِّينَ الأمانَ، ووجوبُ الوفاءِ لهم به:

تبيَّن لنا من المبحث السابق أنَّ للأمان صورتين:

الأولى: دخول غير المسلم في أمان المسلمين.

والثانية: دخول المسلم في أمان غير المسلمين.

وأرى من المناسب أن أقدِّم بذكر نبذةٍ في تقرير الصورة الأولى، وإن كانت خارجةً عن موضوع بحثنا هذا، ولها أحكام تفصيلية مذكورة في كتب الفقه؛ ولكنَّ الإشارةَ إليها مفيدةٌ لتعلُّقها بموضوعنا من جهة أنَّ الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قد أوجبَا على المسلم الوفاء بعهد الأمان والالتزام بموجباته في كلا الحالتين. فكما أنَّ المسلمَ يحبُّ أن يُعامَل بالصدق والوفاء ويتوقَّى الغدرَ والخيانةَ؛ فكذلك يجب عليه شرعًا أنْ يُعامِل غيرَه على أساسٍ متينٍ من المبادئ السامية، والأخلاق القويمة؛ فلا يُقامُ الدِّينُ ولا تصلح حياة البشرية إلا بالتعايش بينهم بقواعد مشتركة، أهمُّ معالمها: العدلُّ والالتزام بالعهود والمواثيق.

لقد اتَّفق العلماءُ على مشروعيَّة منح الكافر الأمان في دخول بلاد الإسلام والإقامة فيها مدَّة معيَّنةً؛ إِنْ دعت الحاجةُ إلى ذلك، وكان فيه مصلحةٌ (١)، والأصل في هذا قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة: ٦].


(١) انظر: «الأوسط» (١١/ ٢٥٥)، و «الإجماع» (ص ٦٤)، و «المغني» (١٢/ ٧٩)، وما سيأتي من الأدلة وأقوال أهل العلم.

<<  <   >  >>