للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأثر الثَّامن:

أنَّ المسلمينَ المستأمَنينَ في بلاد الكفَّار لا يقيمونَ الحدودَ بينهم، لعَدَمِ وُجودِ وِلايةٍ إسلاميَّةٍ عليهم، لكنَّهم يلتزمون بما يترتَّب على ارتكابِ المعاصي الموجِبَة للحدود من توبةٍ وصومٍ وكفارةٍ ودِيَةٍ، ونحو ذلك، مما يلزمهم ديانةً

اتَّفق العلماء على أنَّ إقامةَ الحدودِ مِنْ وظائفِ الحكومة الإسلامية، وأنَّه لا يجوز للأفراد والجماعات إقامةُ شيءٍ منها إلا في ظلِّ وجود السلطة الإسلامية، وبإذنها وتخويلها (١).

والمسلمون المقيمون في بلاد غير إسلامية لا يخضعون لوِلايةٍ إسلاميَّةٍ، ولا تسمح لهم قوانين تلك البلاد بإقامة الحدود فيما بينهم، إذ تعتبر ذلك منافيًا لسلطة الدَّولة، وانتهاكًا لسيادتِها على أراضيها، وخروجًا على شروط المواطنة والإقامة، لهذا لا يشرعُ لهم إقامة القصاص والحدود فيما بينهم، ولا يسقط عمَّن ارتكب موجبهما الحكمُ الدِّينيُّ التعبُّديُّ والعقوبةُ الأُخرويةُ.

وهذه المسألة تُخَرَّجُ على مسألة قريبةٍ منها قد بحثها العلماء قديمًا في أبواب الجهاد، وهي إقامة الحدود في الجيش الإسلامي عندما يكون في أرض العدوِّ، أو في ثغور القتال والمواجهة معه، فهذه الصورة تشترك مع صورة


(١) «الأوسط» لابن المنذر (١١/ ٢٧٨)، و «السنن الكبرى» للبيهقي (٨/ ٢٤٥)، و «المهذب» للشيرازي (٣/ ٢٤١)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٥٧)، و «بداية المجتهد» (٤/ ٢٢٨)، و «الجامع لأحكام القرآن» [البقرة: ١٧٩] (٣/ ٨٩)، و «الموسوعة الفقهية» (١٧/ ١٤٤ - ١٤٥).

<<  <   >  >>