للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسألتنا في وجود جماعة من المسلمين خارج حدود سلطان المسلمين، وقد اختلف العلماء فيها:

فقال المالكية والشافعية: يجب على الإمام إقامة الحدود على من أصاب شيئًا منها، لأنَّ إقامتَها فرضٌ كالصلاة والصوم والزكاة، ولا تُسقطُ دارُ الحرب عنه شيئًا من ذلك.

وذهبَ الحنفيةُ إلى أنه لا يُقام عليه الحدُّ، ولو بَعْدَ رجوعه إلى دار الإسلام.

وقال الحنابلةُ: تجب الحدودُ والقصاصُ، ولكنَّها لا تقام في دار الحرب، وتقام عليه بعد رجوعه من دار الحرب (١).

ورغم اختلافهم هذا فإنَّهم لم يختلفوا في أنَّ إقامتها ليس إلا لمن له ولايةٌ شرعيَّة في إقامتها، فمن رأى أنَّ لأمير الجيش ولايةً من قبل الإمام أو أمير جهته؛ قال: إنه يقيمها. وهذا مذهب الأوزاعيِّ رحمه الله، حيث قال: «من أُمِّر على جيشٍ ـ وإن لم يكن أميرَ مصر من الأمصار ـ أقام الحدود في عسكره، غير القطع حتَّى يقفل من الدرب، فإذا قَفَلَ قَطَعَ». (٢)

ومن رأى أنَّ صلاحيات أمير الجيش قاصرة على أمر الجهاد؛ اشترط لإقامتها وجود الإمام أو نائبه:

قال أبو يوسف رحمه الله: «إذا خرج من الدَّرب فقد انقطعتْ ولايته عنهم، لأنَّه ليس بأميرِ مصرٍ ولا مدينةٍ، إنَّما كان أمير الجند في غزوهم ... وكيف يقيم أميرُ سريةٍ حدًّا وليس هو بقاضٍ، ولا أمير يجوز حكمه. أَوَ رأيتَ


(١) «الموسوعة الفقهية» (٢٠/ ٢٠٩) (مادة: دار الحرب).
(٢) «الرد على سير الأوزاعيِّ» (ص ٨٠)، و «الأم» (٧/ ٣٥٤) وط: دار الوفاء (٩/ ٢٣٦)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٤٧٣).

<<  <   >  >>