للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - جواز الدخول في أمان الكفَّار للحاجة

هذه الصورة هي موضوع بحثنا، وهي عكس الصورة السابقة، حيث يكون المسلم ـ هاهنا ـ طالبًا للأمان لدى الكافر، فيكون الكافرُ مستأمِنًا له، والمسلم مستأمَنًا لديه.

وقد اتَّفق العلماء على جواز هذا العقد إِنْ دَعَت الحاجةُ إليه، وكانت فيه مصلحةٌ للمسلم (١).

ولا شكَّ أنَّ العاقل ـ مسلمًا كان أو كافرًا ـ لا يدخل في عقدٍ ملزمٍ إلا بعد النَّظَر في حاجته إليه، وفي الآثار المترتبة عليه، فيوازن بين المصالح والمفاسد، ويختار ما هو الأصلح والأنفع له. والمسلمُ يقدِّم في نظره في هذا الأمر وفي سائر أموره مصلحةَ دينه، أما من لا يهتمُّ بأمر الدِّين فيقدِّم مصلحةَ دنياه (٢).

دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمان بعض المشركين:

وكانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أوَّلَ من دخل في أمان الكفَّار، فكان في جوار عمِّه أبي طالبٍ، فكان له عَضُدًا، وحِرْزًا في أمره، ومَنَعَةً وناصرًا على قومه، فلمَّا هَلَكَ أبو طالبٍ ـ وذلك قبل الهجرة إلى المدينة بثلاث سنينَ ـ؛ نالتْ قريشٌ من


(١) يتبيَّن هذا الاتفاق من الأدلة ونصوص العلماء الكثيرة التي نسوقها في هذا المبحث وما بعده.
(٢) ويتعلق بهذا النظرُ في حكم الإقامة في بلاد الكفار وشروطها وضوابطها، وهذه المسألة مشروحة في كتب التفسير وشروح السنة والفقه، وفيما كتبه العلماء والباحثون المعاصرون من فتاوى وأبحاث ودراسات مفردة، ولم أتطرق إليه هنا لأنَّ مقصود بحثي هو تجلية الحكم الفقهي لواقع موجود قائم، وليس بيان حكم وجوده.

<<  <   >  >>