للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالبٍ. فخرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف يلتمسُ النُّصرةَ من ثقيفٍ، والمَنَعَةَ بهم من قومه، ورجاءَ أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عزَّ وجلَّ، لكنَّهم لم يستجيبوا لدعوته، بل آذوه وأغروا به سفهاءَهم وعبيدَهم يسبُّونه ويصيحون به، فرجع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُمكِنْهُ أَنْ يدخل مكَّةَ حتَّى دخل في جوارِ المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ (١).

دخول صدِّيق الأمة رضي الله عنه في أمان مشركٍ:

وكذلك دخل في جوار المشركين بمكَّة جماعةٌ من السَّابقين الأوَّلين، فمنهم خير هذه الأمة بعد نبيِّها: أبو بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه.

قالت عائشة رضي الله عنها: لمَّا ابتليَ المسلمون، خرج أبو بكر مهاجرًا قِبَلَ الحبشة، حتَّى إذا بلغ بَرْكَ الغِمَادِ لقيه ابنُ الدَّغِنَةِ ـ وهو سيِّدُ القارَة (٢) ـ، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أَسيحَ في الأرض، فأعبُدَ ربِّيَ. قال ابن الدغنة: إنَّ مثلك لا يَخرجُ، ولا يُخرجُ، فإنَّك تَكْسِبُ المعدومَ، وتَصِلُ الرَّحمَ، وتحمل الكَلَّ، وتَقْرِي الضيفَ، وتعين على نوائب الحقِّ، وأنا لك جارٌ، فارجع فاعبد ربَّك ببلادك. فارتحل ابنُ الدغنة، فرجع مع أبى بكرٍ، فطاف في أشراف كفار قريشٍ، فقال لهم: إنَّ أبا بكر لا يَخْرُجُ مثلُه، ولا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكلَّ، ويَقري الضيفَ، ويعين علَى نوائب الحقِّ؟! فأنفذتْ قريش جوار ابن الدَّغنة، وأَمَّنُوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مُرْ أبا بكر فليعبد ربَّه في داره، فليصلِّ وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنَّا قد


(١) «السيرة النبوية» لابن هشام (١/ ٤١٩)، وسيأتي ذكر قصة أبي طالب والمطعم بن عديٍّ بتمامها مع التخريج في آخر هذا الكتاب.
(٢) القارة: قبيلة موصوفة بجودة الرمي. وهم: بنو الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، سموا بذلك لأنهم في بعض حربهم لبني بكر صفوا في قارة، وقال ابن دريد: القارة أكمة سوداء فيها حجارة. «عمدة القاري» للعَيْنيِّ (١٢/ ١٢٤).

<<  <   >  >>