قال المهلَّبُ بنُ أبي صُفرة الأزديُّ (ت: ٤٣٥/ ١٠٤٤ م) رحمه الله: «هذا الجوار كان معروفًا بين العرب، وكان وجوه العرب يجيرون من لجأ إليهم واستجار بهم، وقد أجار أبو طالب النبيَّ عليه السلام، ولا يكون الجوار إلا من الظلم والعداء، ففي هذا من الفقه: أنه إذا خشي المؤمن على نفسه من ظالم؛ أنه مباح له، وجائز؛ أن يستجير بمن يمنعه ويحميه من الظلم، وإن كان مجيره كافرًا، إن أراد الأخذ بالرخصة، وإن أراد الأخذ بالشدة على نفسه؛ فله ذلك، كما ردَّ أبو بكر الصديق على ابن الدغنة جواره، ورضي بجوار الله وجوار رسوله عليه السلام، وأبو بكر يومئذ من المستضعفين، فآثر الصبر على ما يناله من أذى المشركين محتسبًا على الله، وواثقًا به، فوفَّى الله له ما وثق به فيه، ولم ينله مكروه؛ حتى أذن الله لنبيه في الهجرة، فخرج أبو بكر معه ونجاهم الله تعالى، من كيد أعدائهما حتى بلغ مراده تعالى من إظهار النبوة وإعلاء الدين، وكان لأبي بكر في ذلك من الفضل والسبق في نصرة نبيِّه وبذل نفسه وماله في ذلك ما لم يَخْفَ مكانُه، ولا جهل موضعه». نقله ابن بطَّال القرطبيُّ (ت: ٤٤٩/ ١٠٥٧) في «شرح صحيح البخاري» (٦/ ٤٣٠).