للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تضعُ الدَّار عنهم شيئًا من الفرائض». (١)

وقال السرخسيُّ رحمه الله: «ولو دخل مسلمٌ دار الحرب بأمانٍ؛ فمكث فيها سنتين: فعليه الزكاةُ في المال الذي خلَّف، وفيما أفادَ في دار الحرب، لأنَّه مخاطَبٌ بحكم الإسلام حيث ما يكون». (٢)

وقال أبو بكر ابنُ العربيِّ المالكيُّ رحمه الله: «توهَّم قومٌ أنَّ ابنَ الماجِشُونَ (٣) لَمَّا قالَ: «إنَّ من زنَى في دار الحرب بحربيَّةٍ لم يُحَدَّ»؛ أنَّ ذلك حلالٌ! وهو جهل بأصول الشريعة، ومآخِذِ الأدلَّةِ، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٥ - ٦]؛ فلا يُباح الوطء إلا بهذين الوجهين، ولكنَّ أبا حنيفة يرى أنَّ دار الحرب لا حدَّ فيها، نازع بذلك ابنُ الماجِشُونَ معه. فأما التحريمُ: فهو متَّفق عليه، فلا تَسْتَزِلَّنَّكُمُ (٤) الغَفْلَةُ في تلك المسألة». (٥)

ولا شكَّ أن إقامة هذه الأحكام الشرعية ـ أو الأكثر الأعمَّ منها ـ تدخل في حدِّ الاستطاعة للمقيمين في بلاد الغرب، بل إنَّ كثيرًا من الحكومات الغربيَّة تسمح بإجراء جملةٍ من أحكام الأحوال الشخصية وَفْقَ الشريعة الإسلامية، وتمنحُ المؤسساتِ الإسلاميَّةَ تصاريحَ رسميَّةً تخوِّلها بالتوثيق والاعتماد. هذا بالنسبة للجاليات الإسلامية، أما الأقليَّات الإسلامية فهي تتمتع بمساحةٍ أكبرَ من الحقوق والامتيازات.


(١) «الأم» (٤/ ٢٤٥)، وط: دار الوفاء (٥/ ٥٩٩).
(٢) «المبسوط» (٣/ ٣٧).
(٣) أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني (ت: ٢١٢/ ٨٢٧): علامة فقيه من تلاميذ الإمام مالك بن أنس، وكان في زمانه مفتيَ أهل المدينة. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (١٠/ ٣٥٩:٩٢).
(٤) في المطبوع: «فلا تستنزلنكم».
(٥) «أحكام القرآن» [النساء: ١٦١] (١/ ٥١٦).

<<  <   >  >>