للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبرهان هذا صريحُ قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: ٧٢]؛ فمنع الله تعالى المؤمنين من نصرة إخوانهم في الدين إن كان في ذلك نقضٌ للعهد، ومخالفةٌ لشروط الهدنة والموادعة. ولم يختلف المفسرون في أنَّ هذا مقصودُ الآية.

قال ابن عطيَّة رحمه الله (١): «وقوله: {وإن استنصروكم} يعني: إن استدعَى هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا نصرَكم على قوم من الكفرة، فواجبٌ عليكم نصرُهم، إلا إنْ استنصروكم على قومٍ كفارٍ قد عاهدتموهم أنتم، وواثقتموهم على ترك الحرب؛ فلا تنصروهم عليهم، لأنَّ ذلك غدْرٌ ونقضٌ للميثاق، وترك لحفظ العهد، والوفاء به». (٢)

وقال ابنُ كثير رحمه الله: «يقول تعالى: وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب، الذين لم يهاجروا في قتالٍ دينيٍّ، على عدوٍّ لهم؛ فانصروهم، فإنَّه واجب عليكم نصرهم؛ لأنهم إخوانُكم في الدِّين، إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} أي: مهادنةٌ إلى مدَّة، فلا تخفروا ذمَّتكم، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم. وهذا مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنه». (٣)

وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يشدِّدُ في أمر العهد فنهَى عن نقضه بأيِّ وجهٍ من الوجوه، وعلى ذلك سارَ صحابته الكرام رضي الله عنهم كما يظهر من سيرتهم وآثارهم،


(١) أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي (ت: ٥٤٢/ ١١٤٨): مفسر فقيه، عارف بالأحكام والحديث، له شعر. من كتبه: «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز»، و «برنامج» في ذكر مرويَّاته وأسماء شيوخه. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (١٩/ ٥٨٧:٣٣٧).
(٢) «المحرر الوجيز» [الأنفال: ٧٢].
(٣) «تفسير القرآن العظيم» [الأنفال: ٧٢].

<<  <   >  >>