فالشريعةُ جامعةٌ لكلِّ ما فيه إصلاحُ علاقة العبد بربِّه، وعلاقته بغيره، وأوَّلُ ذلك وأعلاه: توحيدُ الله تعالى بالعبادة، فلا يتَّخِذُ من دونه الأندادَ، ولا يُشرِكُ به أحدًا، وهو حقُّ الله تعالى عليه، فإن أدَّاهُ فأوَّل ما يأمره الله تعالى به، ويسأله عنه: حقوق العباد، لهذا نهاه عن ظلمهم والاعتداء عليهم، وذلك ـ أيضًا ـ وصيَّة الله تعالى للنَّاس أجمعين، كما قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣)} [الأنعام].
فهذه أهمُّ المحرَّماتِ التي جاءتْ بها الشريعةُ، وهي تتضمَّنُ الأمرَ بأضدادها مما يُحبِّهُ الله ويرضاه، فالنَّهيُ عن الشرك أَمْرٌ بالتوحيد، والنَّهيُ عن عقوق الوالدين أَمْرٌ بالإحسان إليهما، والنَّهيُ عن القتل أمرٌ بحفظ الحياة البشرية، وهكذا في سائر المحرمات.
وقد تكرَّرت هذه الأحكام في مواضعَ من القرآن الكريم؛ إمَّا بصيغة الأمر بالواجبات، وإما بصيغة النَّهي عن المحرَّمات، ووردتْ بسياقٍ قريبٍ وببعض الزِّيادة في سورة الإسراء (٢٣ - ٣٩)، وهي مصدِّقة للأحكام التي وردتْ في «التَّوراة»، واشتهرت باسم:«الوصايا العشر»، وهذه هي كما وردت في «سفر الخروج»(٢٠/ ٣ - ١٧)، وفي «سفر التَّثْنية»(٥/ ٦ - ٢١) ـ باستثناء تعظيم يوم السَّبْتِ ودعوى أنَّه يومُ الرَّاحة لأنَّ الله تعالى استراح فيه، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا ـ: