للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قيل: يا رسولَ الله ادْعُ على المشركين! فقال: «إِنِّي لم أُبعَثْ لعَّانًا، وإنَّما بُعثْتُ رَحْمَةً». (١)

وقد ذهب بعضُ العلماء إلى أنَّ هذه الآيات والأحاديث ـ ومثيلاتها في الأمر بحسن الدَّعوة والمجادلة وبالصَّبر والصَّفح والعفو ـ منسوخة بآيات الأمر بالقتال. والصَّحيحُ الذي عليه المحقِّقون من العلماء أنَّها غير منسوخةٍ (٢)، وأنَّ لكلٍّ من الحكمين سببَه وموضعَه ومناسبته.

ولا تكون الدَّعوة بالحسنى إلا بالإحسان إليهم، والبرِّ بهم، ومصاحبتهم بالمعروف، وتألُّفِ قلوبهم وَلَوْ بالموافقة في الأَنْماطِ العامَّة للحياة من المأكل والمشرب والملبس والمسكن، وفي العلاقات الإنسانيَّة في الدِّراسة والعمل والصِّناعة، وفي الآداب الاجتماعية في التقيُّد بالمواعيد، والاهتمام بالنَّظافة، والانضباط بالنِّظام العام وقواعد النَّشاط الاجتماعيِّ، وسائر ما تتحقَّق فيه المصلحة، ويُجلب به الخيرُ.

قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية النميريُّ رحمه الله: «إنَّ المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدِّين وعلوُّه كالجهاد، وإلزامهم بالجزية والصَّغَار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء؛ لم تُشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدِّين، وظهر وعلا؛ شرع ذلك. ومثل ذلك اليوم: لو أنَّ المسلم بدار حربٍ، أو دار كفرٍ غيرِ حربٍ؛ لم يكن مأمورًا بالمخالفة لهم في الهدي الظَّاهر، لما عليه في ذلك من الضَّرر، بل قد يستحبُّ للرَّجُل ـ أو يجب عليه ـ أن يشاركهم أحيانًا في هديهم الظَّاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية: من دعوتهم إلى الدِّين، والاطلاع على باطن أمورهم لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن


(١) أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٣٢١)، ومسلم في «الصحيح» (٢٥٩٩).
(٢) انظر: «الصارم المسلول» لابن تيمية (٢/ ٤١٣)، و «البرهان في علوم القرآن» للزركشي (٢/ ٤٢)، و «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (٣/ ٥٧).

<<  <   >  >>