للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَآبَى إذَا يَأْبَى، وَأَلْيَنَ شِيمَةً ... وَأَنْوَمَ عَنْ جَارٍ إذَا اللَّيْلُ أَظْلَمَا (١)

ثُمَّ كانت غزوةُ بدرٍ الكبرى في السنة الثانية من الهجرة (٦٢٤ م)، وهي يومُ العزَّة والنَّصر، يومُ الفرقان، حيث مكَّنَ الله تعالى أولياءَه من رؤوس الكفر وطواغيته، فقُتل منهم مَن قُتل، وأُسر منهم مَن أُسر، وجيء بهم إلى عبدِ الله ورسولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فنظر إليهم نظرةً، واستحضر جرائمهم في مكَّة في حقِّ الدعوة وفي حقِّه - صلى الله عليه وسلم - وحقِّ أصحابه رضي الله عنهم؛ استحضر ما كانوا يتسلَّطون به عليه من الأذى الماديِّ والمعنويِّ، ولكن لم يحمله ذلك كلُّه على الانتقام، ولم تجد نشوةُ النَّصر إلى قلبه الطَّاهر النَّقي سبيلاً، بل استحضر ـ وهو في حال القوَّة والغَلَبَة ـ موقفَ المطعم بن عديٍّ، فقال سيِّدُ الأوفياء والشُّرفاء - صلى الله عليه وسلم - في أولئك الأسرى: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلَاءِ النَّتْنَى؛ لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ». (٢)

وهذا غاية ما يكون من الوفاء والإحسان، وحفظ الجميل، وكرم النَّفس، وعلو الهمَّة، فأين نحن من أخلاق نبيِّنا الكريم صلوات ربِّي وسلامه عليه؟ اللهم غفرانك!


(١) «السيرة النبويَّة» لابن هشام ١/ ٣٨٠.
(٢) أخرجه أحمد في «المسند» (٤/ ٨٠:١٦٧٣٣)، والبخاري في «الصحيح» (٣١٣٩ و ٤٠٢٤)، وأبو داود في «السنن» (٢٦٨٩) من حديث جُبَيْر بن مُطعم بن عديٍّ رضي الله عنه.

<<  <   >  >>