الناس كلهم بنو أب وأشباه في الصور لايخلون فيما بينهم عن التنافس والتحاسد الذي في غرائزهم بتضاد أمشاجهم وأمزجتهم وطبائعهم والاشتمال على ما للعين منذ عهد ابنى آدم المقربين قرباناً مقبولاً من احدهما مردوداً على الآخر لولا ما يزع عن ذلك من خوف جل من الله تعالى أو عاجل من السلطان وما يكن السلطان قوياً نافذ الأمر صادق الوعد لم تتم له سياسة من تحت يده فكل واحد منهم يرى انه مثله وانه احق بما له وملكه ولهذا قصر الملك على قبيلة اتنقبض أيدي سائر القبائل عنه ثم على شخص فضل أشخاصها ثم على نسل له ولي عهد فصار الملك ملكا لهم ثم أضيف غلى ذلك حال معجز بلغ به غاية القوة وهو التأييد السماوي والأمر الإلهي بالنص على نسب لا يتعدى عموده كما كانت عليه الفرس في الكاسرة وكما كان عليه الأمر في الإسلام من قصور الإمامة على قريش ومن وجبت له المودّة لهم بالقربى وكما أعتقد أهل التُبّت في خاقانهم الأول أنه ابن الشمس نزل من السماء في جوشن وأهل كابل أيام الجاهلية في برهمكين أول ملوكهم من الأتراك أنه خلق في غار هناك يسمى الآن بغبرة فخرج منها متقلسا وأمثال ذلك من أساطير الأمم الصادرة من حكمه بجمع للناس طوعا على الطواعية وبحسم الأطماع عن نيل كل أحد رتبة الملك - وكما تميز الملوك عن غبرهم بهذه الخصال كذلك تمموا التميز بإعلاء الأيوانات وتوسيع القصور وترحيب الرحب والميادين ورفع المجالس على السرر - كل ذلك سموا غلى السماء وإشرافا على الخاص والعام من العلاء - وإليه ذهب البحتري في قوله -
وليس للبدر إلا ما حبيت به ... ان يستنير وان تعلو منازله
ولم تكن للزيادة في القدرة حيلة فجعلوها بالتيجان والقلانس وأستطالوا بالأيدي حتى وصفت ببلوغ الكواكب كما سمى الهند أحد ملوكهم مهاباهو أي طويل العضد والفرس بهمن أرشير ريونددست في ذرى الجبال كل ذلك علامات اعلو الهمّة وانبساط اليد بالقدرة - ثم تزينوا بصنوف الزينة المثمنة ليحلو في القلة جلالة الأموال في العيون فتتوجه إليهم الأطماع ويناط بهم الآمال واحتالوا بحيل تفاوضت في البدعة والحسن والغرابة للغوص على سرائر الخاص من البطانة وأفعال العام من الرعية ومقابلتها بواجبها في إسراع ذلك على تنازح الديار بالفتوح المتناقلة والبرد المرتبة والسفن المطيرة والحمامات الهادية الطاوية للمسافات حاملة للوامر والأمثلة في المدد اليسيرة حتى خيفوا في السر والعلن واجتنبت خيانتهم فيهما ونوقف على ذلك من أخبار دهاة الملوك وجبابرتهم
[ترويحة]
الملوك أحوج الناس إلى جمع الأموال لأنهم بها يملكون الأزمة ويسيرون العنة - قال المنصور لحاجبه؟ يا ربيع أنا أجمع الأموال فان الناس يبخلوننى وقد بر انى الله من هذه الشيمة الذميمة ولكني لمّا رأيتهم عبي الدينار والدرهم رمت أستعبادهم بهما إذا احتاجوا إليهما ثم كانا معي وليس جمعهم لها خزنا بالحقيقة وكنزا فان التفرق إلى مجموعاتهم أسرع من الماء إلى الحدور لكثرة الأفواه الفاغرة نحو نعمهم والأيدي المشمولة إلى عطياتهم وضلاتهم والأعين الطامحة إلى الاهلة الطالعة لحلول أرزاقهم وجراياتهم والأصابع اللاعبة بحسبان أيام أطماعهم وفروضهم ولذلك هم اشفق من النقاد وأخوف من انقطاع الأمداد - فكل مجموع لا محالة متفرق وما تفرق إلى نفاد - وليد كرنى من الأمير الماضي يمين الدولة محمود رحمه الله وما ذكرنا في طباعه أثبت وأحكم يدل على انه لم يكن يفرغ من فريسة قصدها وظفر بها إلا ويخيل بصره بعدها لخرى يزحف إليها ويحوزها كأنه مبتغى الوادي إلى أنفاق مرتب او مسرف فيه - وحملتني النشوة على ما لم يزل كان يشكوه مني ويجفوني بضجره به فقلت؟ اشكر ربك واسأله واستحفظه راس المال وهو الدولة ولإقبال فما جمعت تلك الذخائر إلا بهما ولن يقاوم بأسرها خرج يوم واحد غير منتظم بزولهما فأمسك ومن اعتبر قولي بحال الأمير الشهيد مسعود أعلى الله درجاته بسعادة الشهادة تحقق حقه عند الحادثة عليه وزوال النظام عن أمره وعمّا في يديه كيف تبددت أمواله الدثرة مكتسبها والموروثة في يوم كيوم الدخان ثم تلاشت هباء منثورا لم يكشف عن عاد ربه فقرأ لو لم يظهر في كسير جبرا وكان امر الله تعالى قدرا مقدورا -