قالوا، انه أراد بيض النعام - والبكارة في كل شيء ممدوحة لأنها في اكثر الأمر دالة على بياض الشباب والظرافة وهى في البيض اولى بيضه من أول الالقاح لا قائم مقام أفتضاض العذرة - وقال غيره، انه عنى الدرة فانها غير خالصة البياض ولا الصفرة بل مختلطة منهما وبكارتها في عدم الثقب بحدث العهد ثم يتقيفوا عند الماء النمير فقالوا انها وان لم توجد في العذب فانها ايضا لاتزكو في الملح الأجاج وإنما حسنها في خروجها من المعتدل وهو النمير الذي ينمى وان لم يكن على غاية العذوبة الا انه ذكر التغذي معه والتنافس في الدر ما عم جميع الأمم - فلو كان في الصفرة احمد لما يختص بالميل أليه بين الطوائف طائفتان - قال الكندي أن كان في الدر المدحرج شيء من الصفرة اعجب به اهل العراق واهل المغرب فان زادت ما أليه أهل أصفهان فجلبا إليهما ونسبا الى ناحيتهما -
[مائية اللؤلؤ الرطب]
وأما ما ذكر في اللؤلؤ من الرطوبة فان معناه ماء الرونق والبهاء ونعمة البشرة وتمام النقاء لأن الرطوبة فضل يقوم لذات الماء فهي تنوب عنه في الذكر وليس يعنى بها نقيض اليبوسة حتى يتعجب منها كما تذكر الفرس في الذهب المستشار وانشد أبو القاسم الامدى لأبي تمام -
مفصلة باللؤلؤ المنتقى لها ... من الشعر الا انها لؤلؤ رطب
قال، عنى به المحدث وهذا من اختراعه ولم يخرجه مخرج المدح والرضى - فان فضل ميله الى البحترى على الأنحاء بأبي تمام مع ادعائه الأنصاف بينهما في كتاب الموازنة بين شعريهما - فان كان ابو تمام اخترعه فقد اتبعه الكافة فلهجوا بذكره ولم يصابروا عنه - وكل محدث فتى في جنسه من حيوان او غصن او نبات فانه لامحالة انعم وارطب بسبب استعداده لقبول النماء فان كان اللؤلؤ في الصدف ناميا فله من تلك الرطوبة حظ وان نزر فليس يعنى غير مائه وبهائه وان كان اصلب أصلب من الحجارة والحديد - وكذلك عاب قوله في اللؤلؤ المنتقى وقال، ان المنتقى من الشعر لايكون الا مسر وقا وقبيح فاحش بالشاعر ان يعترف بالسرقة - وكان أبو القاسم عرف هذه السرقة بالكهانة أو الطالع والعيافة فلست ارى لها في البيت اثرا وما على الرجل اذا قال في قصيدته انها مفصلة لؤلؤ من الشعر ذى ماء ورونق مختارا بسمطها منقح من العيوب نهذب عن المقادح قد اكددت خاطرى في انتقادها كما قال ابن الرقاع -
وقصيدة قد بتُّ أجمع بينها ... حتى اقوم ميلها وسنادها
وكما قال البحترى -
لمنقوشة نقش الدنانير ينتقى ... لها اللفظ مختارا كما ينتقى التبر
وهذا هو الانتقاء لولا التجني والقلي واعلمه انه عنى بقوله من الشعر شعر غيره دون شعر نفسه - ولرطوبة اللؤلؤ وجه وان بعد وهو أن سائر الجواهر إذا وقعت على الأرض استقرت واللؤلؤ يتدحرج بأدنى ميل في وجهها وكذلك بفلت من بين الأصابع لقلة تمكنها منه فكان انفلاته على هيئة عجم التفاح والكمثرى إذا رطبا وضغطا بالإصبعين حتى يرتمى مسافة كثيرة وسببه هو ترطيب ملاستها وتلزجه - قال ابن المعتز -
كأن الكأس في يده عروس ... لها من لؤلؤ رطب وِشاح
يريد الندى الذي يكاد يقطر نعمة ورقة - وقال منصور القاضي -
وجاء نسيم الريح يهدى تحية ... الينا بأنفاس الرياض ويشبع
وقد نبه الأنوار فابتسمت لنا ... وأعينها باللؤلؤ الرطب تدمع
وقال الخبر ارزى -
دُرِيّة اللون منه مشربه ... حمرة خمر تمازِج اللبنا
كاللؤلؤ الرطب لون ظاهره ... وفيه ماء العقيق فد بُطنا
وقال آخر وهو الصنوبرى -
كأنما النرجس في روضه ... اذا ثنته الريح من قُؤب
أقداح ياقوت تعاطيكها ... أنامل من لؤلؤ رطب
وقال أيضا -
أقداح ياقوت تعاطيكها ... أنامل من لؤلؤ رطب
في الساعد الأيمن خالٍ له ... مثل السويداء على القلب
وقال أيضا -
كأنه من سبج فاحم ... مركب في لؤلؤ رطب
وقال أيضا -
كأنها في الفق كافورة ... يرفضّ عنها لؤلؤ رطب
وقال نمير العقيلي -
وحولها خُرد حور مدامعها ... كاللؤلؤ االرطب يدنى لحظُها الأجلا
وقال نمير العقيلي أيضا في مجدور