وإما اليم فقد قال فيه الخليل انه البحر الذي لا يدرك قعره ولا شطاه وهو لجته - يقال يم الساحل إذا طما عليه البحر فعلاه - ولا خلاف في ان اليم هو البحر وهذا اسمه بالسريانى - ولكن التنزيل نطق به بخلاف قول الخليل ووقع فيه على كل ماء مجتمع - قال الله تعالى (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) وغرق فرعون كان في البحر الأحمر الآن بمدينة القلزم التي على منتهى لسانه والعبرانيون يعرفونه ببحر سوف أي البردي كأنه كان ينبته في ضحضاح اللسان وعرضه هناك بين يقصر عن وصف الخليل - وقال تعالى (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) - وذلك بالضرورة هو إما نهر النيل وإما احد خلجانها المفضية إلى عين شمس مستقر فرعون - وليس يخفي على من وقف على احد شاطئ النيل ما في الشط الآخر منه وقال تعلى حكاية عن موسى عليه السلام (لنحرِقنَّه ثم لننسفنَّه في اليّم نسفا) - وكان ذلك في مفازة التيه وغير ممكن ان يكون فيها بحر او بحيرة او بطيحة بل هو إما نقيعة نزلوا عليها مجتمع ماءها من سيول الامطار وإما حوض ممتلئ من الماء المتبجس من الأحجار وعلى اتجاه البحر واليم على موضع واحد في التنزيل وفي - الأخبار غاير العجاج بينهما وقال (كباذخ البحر دهاه اليم - فهذا ما قال أصحاب اللغة في البحر وتحديده وهم بها ابصر - وإما حقيقة تجمع مياه تسيل إليها الانهار الجارية على الأرض ولا يسيل منه إليها شيء إلا على وجه العرض عند المد والجزر وذلك الماء غليظ بممازجة الأجزاء الأرضية إياه وعلى غلظة زعاق قد جاوز الملوحة إلى المرارة ورأى قوم في اسمه انه القطع من جهة أخرى وهو الحكم أعنى البحران في الأمراض الحادة التى تقطع الحكم في أيامها على ما يؤول اليه حال المريض وان مصارفها توارى اسباب الجزر والمد اليومين والشهرين في البحار فالحكم فيهما عليهما يقطع وإقبالهما وأدبارهما لصنوف المصالح متوقع - والله الموفق -
[في ذكر اوقات الغوص]
قال الكندي في ذلك، انه من أول نيسان إلى آخر أيلول والشمس تقطع في هذه المدة من نصف الحمل إلى نصف الميزان - وقال نصر، الغوص ستة اشهر من النيروز إلى المهرحان وهو تلك المدة بعينها إلا انه حداولها وآخرها بالشهور الفارسية التي لا تثبت مع سنة الشمس ولاتطابقها - وكأنها عنيا ربعي الربيع والصيف وقد قلنا ان بحر فارس يسكن فيها وانه إذا اهتاج قطع الغوص وعلى هذا القياس يجب ان ينقطع الغوص في ربعى الخريف والشتاء عن المغاصات التي في بحر الهند - إما غيرهما ممن حضر بحر فارس وشاهد العمل فانهم يقولون ان مدة الغوص شهران في صميم الحر وحمارة القيظ لأنه يعتدل فيما حال الماء في القرار ثم يتردد في باقيهما ويتكدر - وقالوا - ان ماء الانهار يقل في الشتاء فينزر مقدار ما يدخل البحر الفارسي ولهذا بقل ويصفو في أواخر الربيع وأوائل الصيف وحينئذ يكون الغوص ثم إذا حمى الهواء ومدت الأنهار تكدر منها ماء البحر وتعذر إمساك النفس فيه فانقطع الغوص - وهذا ما يصدق قول يشوع بخت مطران فارس ان اختلاس النفس مدة يعسر على الغواصين في الماء العذب ولا يعسر عليهم في المالح -
[ذكر كيفية الغوص]
هذا إذا رمنا تنسمه من أشعار العرب سمعنا منها قول المخبل السعدى
أعطى بها ثمنا وجاء بها ... شخت العظام كأنه سهم
بلبانه زيت وأخرجها ... من ذى غوارب وسطها اللُخم
يقول اشتريت هذه الدرة بثمن وافر من غواص خفيف بدقة عظامه قد جعل الزيت على صدره لتجفيف الشمس والماء المالح اياه وأخرجها من بحر متموج من أعاليها اللخم - وقد قالوا في اللخم - انه ضرب من السمك خبيث له ذنب طويل يضرب به ويسمى جمل البحر - وهذا بما قال فيه الشاعر أليق لانطباق اهوال البحر فيه إلى الخطر في المغاص - قال ابن احمر -
رأى من جريها الغواص هولا ... هر اكلة وحيتانا ونونا
وأسلم نفسه عضنِداً عليها ... وكان بنفسه حينا ضنينا
الهر كل الضخم من كل شيء وعندا غضبان - وقال العجاج -