وقال بشار
كأنما خلقت من ماء لؤلؤة ... في كل أكنافها حسن بمرصاد
وقال البحترى
بدت صفرة في لونه أنّ حمدهم ... من الدرما اصفرت نواحيه في العِقد
قال الآمدى؟ الذي فيه صفرة يسيرة يفضل على الأبيض اليفق كفضل الذهب على الفضة ولان الدرة النفيسة الناصعة البياض القريبة العهد بالبحر مما يلحقها كدر وتغير لايزال يسرى فيها ويزداد الى ان تسود كالبعرة - فإذا بدت فيها الصفرة اليسيرة المعروفة أمن منها ذلك الداء واستيقن إنها لا تتغير على الأزمان وأبو قاسم متكرم في الذياد عن فحول الشعراء غير راض ممن لا يدانيهم بضيمهم لكن من تقدمه قد فضل لون المرجان على بياض الدر وحمل قوله سبحانه وتعالى (كأنَّهن الياقوتُ والمَرجان) على ان معناه صفاء الياقوت في بياض المرجان فان اللون المركب منهما هو المحمود في البشرات - وعلم من هذا ان البياض لم يخص للدر وأن للمرجان مع فضل بياضه حظه من الماء والرونق وان كانا في الدر اظهر واوقع مع رائحة ما من الصفرة تتقى عنه الجصية التى فى الدر القتائى حتى يظن منها انها معمول مصنوع فيكون الحمد له بتلك الصفرة كما تقدم المدح له بعدمها - وأيضا فان الشذور الصغار الفاصلة بين الدر في السمط تكون من سبج وتكون من فيروزج أو تكون من لازورد وفى الأكثر تكون من ذهب فالضياء المنعكس من ذهب الشذر الذي يلقى صفرته عليه ولذلك قال البحتري ما اصفرت نواحيه - اى طرفاه عند الثقبة وهذا مقتضى البريق فانه لو لم يبرق لما رؤيت بالصفرة عليه والى مثله عدل ذو الرمة في قوله -
كحلاء في بَرجَ صفراء في نَعَج ... كأنها فضة قد شلبها ذَهب
وهذا الشوب كاسب للملاحة فهو فى غاية القلة فبالكثير يرجع في بيوع الرقيق ويتباعد عن الأعداء خوف العدو ويستدل في الصحيح الأمن غير العرع على رياح البواسير أو فرط التكر أو الحسد فى الضمير ولهذا كانت الرواية؟ قد مسها ذهب احسن لأن المس يقصر من مقدار الشوب ولهذا ذهب من قال -
بيضاء صفراء قد ينازعها ... لونان من فضة ومن ذهب
ومثله قول طفيل الغنوى
هجان البياض أشربت لون صفرة ... (عقيلة جوٍّ عازب لم يحلل)
وقول يزيد بن الطثرية -
ولونا قد يحار الطرف فيه ... كلون العاج قد ألف الخَلوقا
ووضع أبو القاسم بازاء فصل ما بين الدر ذي الصفرة وبين اليقين منه فصل ما بين الذهب والرصاص فان كان ذهب الى اللون ففيه نظر لأن احمد الذهب ما جاوز الصفرة الى الحمرة فإذا أقيمت الفضة الخالصة بازاء يقق الدر لم يحمد ما قام من الدر بازاء الذهب الابريز لتلونه من اللون مما لا يمدح وما بقى من كلامه فقصة ما لها امانة المخبر وصدقه - وربما كانت الصفرة مبدأ العلة المسودة فكلاهما حادثان في اللؤلؤ بعد ان لم يكن ونجد الصفرة فيه تغيرا فاسدا يتولد من صنوف أسباب كالهن والعرق وروائح الطيب من الزعفران والخلوق واللخالخ ولا محالة ان المطلوب في الدر بياضه مع توابعه والصفرة عيب فيه فضلا ان يكون محمودا وجرى ابو منصور الثعالبى على عادة الشعراء في التشبيه فقال في خط علي بن مقلة -
خط ابن مقلة من ارعاه مقلته ... ودت جوارحه لو حُّوِلت مُقَلا
فالدر صيفر لاستحسانه حسدا ... والورد يحمر من نُوَّره خَجَلا
واصفرار الدر بإطلاق ليس كاحمرار الورد بإطلاق فان الأول عيب والأخير منقبة - وذهب قوم في قوله تعالى (وعندهم قاصِرات الطَرف عِين كأنَّهن بَيض مكنون) عنى اللؤلؤ كما قال تعالى (ويطوف عليهم وِلدان مخلَّدون إذا رأيتَهم حسبتَهم لؤلؤا منثورا) - وقال تعالى (ويطوف عليهم ولدان لهم كأنَّهم لؤلؤ مكنون) ثم قال بعضهم ان شبه مقل العين بالأفلئ بسبب الوفور والبياض اللذين هما يحمدان في اللؤلؤ وهى بالأجفان مكنونة من الأذى قال غيرهم انه عنى بيض النعام الممتزج البياض بالصفرة ويشبهه بوجوههن فانه يقارب لمقاديرها وخاصة من النساء واكنائه بالريش وقت الاخضان ولا تصيبه ريح ولا يلوثه غبار - وقال بعضهم انه الغسق فالمقصود في الذكر بياض البيض وصفرة المخ - قال امرؤ القيس
كبكر المقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير الماء غير محلل