الفساد إلى الحيوان أسرع منه الى النبات والى النبات أسرع منه الى الجماد وذلك بقدر الرطوبة والعفونة بها اشد تشبثا اذا عجزت الحرارة عن اجرائها عن المجارى الطبيعية النافذة لعوارض العفونة واللؤلؤ جزء من الحيوان وشبيه فيه بالعظام فتقادم الزمان فيه يغيره عن لونه ويقربه من الدم والنحر ولإصلاح الحادث من ذلك في نفس المادة إلا من جهة إنشائها أول مرة فانه قادر على أعادتها الى ما كانت عليه - وأما من جهة الخلق فان عندهم كضعف الشيخوخة الذى لايرتجى معه العود الى الشبيبة - فأما التغير في اللون فمتى كان فيه كالشيب في الشعر لم يطمع في تغييره الا بمثل الخضاب الذى هو تمويه فيه - ومتى كان عارضا من حالة خارجة طارئة كالوسخ والعرق والبخارات والادهان وروائح العطر كان أجود علاجها التقشير وازالة الطبقة تاعليا الفاسدة عنه وقد قيل ان اللؤلؤ إذا كان حار الملمس من بين اخواته دل على دوة فيه وربما كانت سبب تأكله في اول مرة وليس بعجيب في الشعر واللحم والعظام ان تتدوّد وتتسوّس وتتأكل - وبمثل ما استدل عليه أياس بن معاوية على كون حية تحت آجره في فرش البيت اذ كانت اسخن من سائرها من غير سبب من خاج مسخن اياها - وربما اصابت اللؤلؤ آفات في جوف الصدف من فساد مرعاه وهو الحمأة كالذى يوجد فى القلزمى من الرمل الممارج اياه مستحجرا معه - وربما كان في جوفه ماؤ منتن فيثقب اليه ويخرج حتى يخلو ثم يحشو بالمصطكى وانما جاد العمانى بطيب المرعى والهواء وفضل العمق في الماء - وهذا الباب النقصود فيما بلغناه شبيه بما عليه اصحاب الكيميا لا شاهد عليه سوى الامتحان ولا دليل يؤدى الى غير التجربة ولم نتفرع لشيء منه ولا اعتمدنا مخبريه فانهم ينفسون عليه ويقصدون الغش في اخفائه وخاصة فقد أشاروا في اكثر ما اوردوه في الستعمال النار وهى مفسدة للعظام مكلسة لها فان كان بافراطها فلكل جزء حصته من ذلك - وقد شوهد من فعلها باللآلئ في بيوت الاصنام التي أحرقها الغزاة بحدودين انه ما يحسن الجبان من استعمال النيران وكان دلهرا صاحبها المأسور في يد الامير يمين الدولة راسله بأن هؤلاء المجانين يخسرونك فى الجواهر بما يعظم مقداره فارفعا ثم خلهم والاحراق - فلم يلتفت الى قوله اصرار كعادته كانت في المحالفة كان بعد همود النيران يفتش رمادها فيوجد فيه الحبات الكبار النفيسة كأنها خرطت من طباشير ولم يوجد مما ينتفع به الا ما احمر من الياقوت - وقيل إن العرب تسمى اللؤلؤ عاجا لان العاج عندهم مما يتحلى به - وقال اعرابى -
وماء عميرة من يد حالبة ... كالعاج صفرتها الاكنان والطيب
وما أظنه عنى اللؤلؤ لان اللؤلؤ ممدوح بالاكنان وأنما عنى العاج نفسه وهو يصفر كما يصفر اللؤلؤ بما ذكروا من رسمهم ورسم الهند ان يعلموا لنسائهم من العاج أسورة دقائق متفاضلة فى السعة والضيق بحسب حلقة المعصم ويسمونه وقفا - قال النابغة الجعدى -
كوقف العاج مسّ ذكىّ مسك ... يجيء به من اليمن التِجار