للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما المهو فهو حجر ابيض يعرف ببصاق القمر وبراقه ويشمى بالرومية افرو سالينوس أي زبد القمر فان القمر هو سالينى - وذكر ديسقوريدس ما قلنا وانه حجر يوجد فى ارض العرب فى زيادة القمر ابيض شفاف فلئن لم يكن مستنيرا يلمع بالليل كالنار ولم يخط بغير البياض ان النهار بوجوده أولى - وكان الأمير الشهيد مسعود رضى الله عنه أتحفني بطرائف منها حجر منعجن من حصى سود في قدر العدس قد تحجر بعد العجانة بها وأشار إلى موضعه نحو حول قلعة نائن بقرب غزنة وان وجوده يكون في الليالي التي تسود أوائلها يعنى النصف الأخير من الشهر - وسألت احد الهنود المرتبين فى تلك القلعة عنه فأشار إلى مثله من وجوده تلك الليالي وان هنود الشرق يحملونه إلى بيوت أصنامهم - فلما أنعمت الفحص أومى إلى استعماله في الكيمياء على أنه يتردد في ألسنة الهنود ذكر حجر القمر على ما تقدمت الحكاية عنهم وليس بالذي وصفه يحيى النحوي من الضارب اللون إلى لون العسل المتوسط إياه وببياض شبيه باستدارة القمر زائد بزيادة نوره ناقص بنقصانه مستخف فى المحاق مستنير فى اليوم الثالث - وقال قوم فى حجر القمر انه الجزع وان ما فيه من البياض يزداد في زيادة القمر ولذلك نسب إليه والأمر فيه وفى مثله موكول إلى التجربة - فأما الذي ذكره يحيى فلا - والبلور انفس الجواهر التي يعمل منها الأواني لولا تبذله بالكثرة ويسميه أهل الهند بتك وفيه فضل صلابة يقطع بها كثير من الجواهر ويقوم لأجلها مقام فولاذ الحديد حتى تنقدح منه النار إذا ضربت قطاعه بعضها ببعض وشرفه بالصفاء ومماثلة أصلى الحياة من الهواء والماء - قال الله تعالى (بيضاء لذة للشاربين، لا فيها غَول ولا هم عنها يُنزَفون) لأن لذة الشارب منغصة بتوابعه فإذا أمن معاد حاضره والخمار في عاقبته توافت اللذة وتكاملت الطبيعة - والبيضاء صفة الوعاء لا الشراب اذ لايحمد منه ذلك فى العادة - والمراد بهذا البياض التعري عن الألوان كالبلور الأبيض اليقق اللبني فان هذا البياض مع السواد متقابلان على التضاد ولن يشف ولا واحد منهما - فاما الألوان المتوسطة بين الجدد البيض والغرابيب السود فحامل كل واحد منهما يحتمل الشفاف كاحتماله الصمم والتعقد إلا إذا لاصق أحد الطرفين كالدكنة والفيروزجية في شيء - وعلى هذا النهج وصفهم الأبيض النقي بالفضة ولا بمعنى الشفاف فليست الفضة منه فى شيء - وعليه قوله تعالى (قواريرَ من فِضَّة) والعرب هم أول المخاطبين بالقرآن فالخطاب معهم على عرفهم قياسة بالنحل فانهم لما رأوه يرتعي وبالارتعاء يمتلئ البطن بالمأكول وليس له خروج إلا بأحد المنفذين إلاعلى وإلاسفل تصورا من العسل انه من غذائه باخراجه من البطن بكلى المنفذين - قال الشاعر (وهو الطرماح) -

إذا ما تأرَت بالخلىّ بَنتْ به ... سريجين مما تأترى وتتبع

فخوطبوا بمثله من خروج الشراب من بطنه للاتصال وقرب الجوار اذ الفم مدخل إلى البطن وهو بخرطومه يجتنى من أوساط الزهر ما فيها من امثال الكحل دقة ونعمة وينقله بيده من خرطومه إلى فخذيه ويحمله إلى الكوارة ويعمل العسل ويملأ به بيوت فراخه طعاما لها وزادا لنفسه عند انقطاع الأنوار والثمار التي يطعمها ويدخرها - وأما ما يبرز من أثقالها بالمنفذ الأسفل فأنتن شيء في الدنيا وهى تحفظ من أذيته خلاياها لنزاهتها ونظافتها وحرصها ما أرجت رائحته وطابت مذاقه

<<  <   >  >>