للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١١ - من ثمرات الإيمان بالقدر: الثقة بالله تعالى:

لأن المؤمن بقضاء الله وقدره يعلم أن تقدير الله له فيه الخير، قال الله تعالى لأم موسى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} [القصص: ٧]، فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى، إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه، وجرياته إلى حيث ينتهي أو يقف (١).

١٢ - من ثمرات الإيمان بالقدر: التسليم وهو نوعان:

تسليم لحكمه الديني الأمري. وتسليم لحكمه الكوني القدري. فأما الأول: فهو تسليم المؤمنين العارفين، قال تعالى: {وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥].

وأما الثاني: فهو تسليم للحكم الكوني: وهي مسألة الرضى بالقضاء. فهو يحمد إذا لم يؤمر العبد بمنازعته ودفعه، ولم يقدر على ذلك، كالمصائب التي لا قدرة له على دفعها.

وأما الأحكام التي أمر بدفعها: فلا يجوز له التسليم إليها، بل العبودية: مدافعتها بأحكام أخر، أحب إلى الله منها (٢).

ولقد تأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم لفقد ولده إبراهيم، ولكنه قال: «إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» (٣).

فالتسليم هو الخلاص من شبهة تعارض الخبر، أو شهوة تعارض الأمر، أو إرادة تعارض الإخلاص، أو اعتراض يعارض القدر والشرع. وصاحب هذا التخلص: هو صاحب القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، فإن التسليم ضد المنازعة (٤).


(١) مدارج السالكين (٢/ ١٤٣).
(٢) مدارج السالكين (٢/ ١٤٦).
(٣) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «إنا بك لمحزونون» (٣/ ١٧٢ - فتح الباري).
(٤) مدارج السالكين (٢/ ١٤٧).

<<  <   >  >>