للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥٠ - من ثمرات الإيمان بالقدر: التواضع:

فالمؤمن بالقدر إذا رزقه الله بمال، أو جاه، أو علم، أو غير ذلك، تواضع لله، لعلمه أن هذا من الله، ولو شاء لانتزعه منه، إنه على كل شيء قدير. قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)} [آل عمران: ٢٦].

٥١ - من ثمرات الإيمان بالقدر: الشكر:

فالمؤمن بالقدر يعلم أن ما به من نعمة فمن الله وحده، وأن الله هو الدافع لكل مكروه ونقمة، فينبعث بسبب ذلك إلى شكر الله، إذ هو المنعم المتفضل الذي قدر له ذلك وهو المستحق للشكر. قال الله تعالى عن سليمان عليه السلام: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [النمل: ١٩].

٥٢ - من ثمرات الإيمان بالقدر: الرضا:

(إن أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأعلم العالمين الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم ومن آبائهم ومن أمهاتهم، إذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيراً لهم من أن لا ينزله بهم، نظراً منهم لهم وإحساناً إليهم ولطفاً بهم، ولو مكنوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم علماً وإرادةً وعملاً، لكنه سبحانه تولى تدبير أمورهم بموجب علمه وحكمته ورحمته، أحبوا أم كرهوا، فعرف ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته، فنازعوه تدبيره، وقدحوا في حكمته ولم ينقادوا لحكمه، وعارضوا حكمه بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وسياساتهم الجائرة، فلا لربهم عرفوا ولا لمصالحهم حصلوا.

ومتى ظفر العبد بهذه المعرفة، سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه نعيمها إلا نعيم الآخرة، فإنه لا يزال راضياً عن ربه، والرضا جنة الدنيا، ومستراح العارفين، فإنه طيب النفس بما يجري عليها من المقادير التي هي عين اختيار الله له، وطمأنينتها إلى أحكامه الدينية، وهذا هو الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وما ذاق طعم الإيمان من لم يحصل له ذلك.

وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسن اختياره، فكلما كان بذلك أعرف كان به أرضى، فقضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة، لا يخرج عن ذلك البتة، كما قال صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور: «اللهم! إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، ما قالها أحد قط إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرجاً»، قالوا: أفلا نتعلمهن يا رسول الله؟ قال: «بلى! ينبغي لمن يسمعهن أن يتعلمهن» (١).


(١) قال المحقق: حديث صحيح، رواه الإمام أحمد في المسند (١/ ٣٩١ و ٤٥٢).

<<  <   >  >>